وافتتح نور الدين (٥٤٧) حصن انطرطوس وقتل من كان فيه من الفرنج وطلب الباقون الأمان ، وملك عدة من الحصون بالسيف والسبي والإحراق والخراب والأمان ومنها دلوك ويحمور ، بعد أن اقتتل مع الفرنج أشد قتال رآه الناس وصبر الفريقان ثم انهزم الفرنج ، وتوجه مجير الدين في العسكر إلى ناحية حصن بصرى ونزل عليه محاصرا واليه لمخالفته وجوره ، وما زال به حتى نزل على حكمه. وأراد مجير الدين المصير إلى حصن صرخد لمشاهدته فاستأذن مجاهد الدين واليه في ذلك ، إذ لا سبيل إلى استقرار حالة دمشق إذا كان المستولون على بصرى وصرخد يمتّون إلى الفرنج بصلة من الصلات للاحتفاظ بمعاقلهم في أيديهم كما فعل سيف الدين الطنطاش نائب صاحب بصرى وصرخد واستعان بالفرنج على المسلمين فاضطر معين الدين أتسز إلى قتاله ونازل القلعتين فملكهما. وقوي عزم نور الدين (٥٤٨) على جمع العساكر والتركمان من البلدان للغزو ونصرة أهل عسقلان على الفرنج ، وكان هؤلاء شغلوا بأمر عسقلان منذ السنة الغابرة لإمداد صاحب مصر فظفر المسلمون بمن كانوا مجاورين لهم ، ووصل الأسطول المصري إلى عسقلان فقويت نفوس من بها بالمال والرجال والغلال وظفروا بقوة وافرة من مراكب الفرنج ثم هجم الفرنج على عسقلان وداهموها من جوانب سورها فهدموه وقتل من الفريقين خلق كثير ، وألجأت الضرورة إلى طلب المال فأجيبوا إليه فخرج أهلها في البر والبحر إلى ناحية مصر فملك الفرنج مدينة عسقلان ، وكانت لخلفاء مصر والوزراء يجهزون إليها المؤن والسلاح ، ولو لم تختلف أهواء أهل الدولة المصرية ويقتل العادل ابن السلار لما جرأ الفرنج على حصر عسقلان والظفر بمن فيها والتحكم في ضرب غرامة عليها.
وملك نور الدين (٥٤٨) حصن أفليس وقتل من كان فيه من الفرنج والأرمن ونهض عسكره طالبا بانياس. وفي سنة (٥٤٩) وصل نور الدين في عسكره لإمداد أسد الدين شير كوه وكان أرسله إلى دمشق في كتيبة ، وخيم بناحية القصب من المرج. ونزل نور الدين بعيون فاسريا ورحل في الغد ونزل بأرض بيت الآبار من الغوطة وزحف إلى البلد من شرقيه ، وخرج إليهم من عسكره وأحداثه الخلق الكثير ، ووقع الطراد بينهم ثم عاد كل من الفريقين إلى مكانه ، ولم يبرح نور الين يزحف يوما بعد يوم حتى افتتح دمشق على أيسر وجه ، والنفوس فيها متطلعة