الثائرين ما زالوا يتلمظون بطعم الغنائم ويزدردون حلوى الغارة ، وجاء الخبر بأن الجالين عن دمشق نهبوا الضياع في طريقهم وقتلوا الأنفس وهتكوا الأعراض وصادفوا جماعة من طائفة الحكام فسلبوهم وقتلوا منهم فريقا. وأخذ القبوقول يطلقون النار على الرعية وظلت الفتنة قائمة في البلد بين القبوقول والإنكشارية والأشراف فقتل من هؤلاء نحو ثلاثين وبضعة أولاد وشبت الحرب في شوارع المدينة أياما ثم عتا الإنكشارية على حاكم دمشق فصاح في جنده وركب إلى الميدان فهربوا أمامه فأعمل هو وجنوده السيف فيهم فقتلوا منهم خلقا كثيرا ومن لم يمت بالسيف قادوه بالسلاسل والأغلال ، وعم نهب العسكر الكبير والصغير والناس بين قتيل وأسير ، ونهبت الدور والدكاكين وانتكبت نكبة عظيمة فعريت النساء وخطفت الجواري والعذارى ، وتمنى العقلاء الموت ، ثم نهض جماعة الحاكم إلى النهب فمنعهم وأمر بجمع ما نهبوه فما وصل إلا القليل أودعه بعض الجوامع وأمر مناديا ينادي لتأخذ الأسباب أصحابها ، فأخذ بعضها وذهب الأكثر ، وأما أتباع الوالي فطفقوا يقتلون كل من يصادفونه ويقطعون رأسه أو يحبسونه ، وتناول أذاهم من في الدور وتعست الحال.
ووصف ابن النجار هذه الفتنة فقال : إن السلطان أرسل واليا آخر غير الذي كان وجرت هذه الوقعة في عهده ، فقتل الأشقياء من المسلمين والدروز والنصارى وخربوا وحرقوا الدور ونهبوا الأماكن قال : وتعطلت الأسواق والمعاملات بسببهم في دمشق قريبا من سنة لا تقام جمعة ولا يسمع آذان ولا يفتح جامع ولا يتمكن أحد من الخروج من منزله لحاجة ولا لغيرها ، لفسادهم وإفسادهم وتعديهم على الخاص والعام. وإنما كان سبب تمكنهم من ذلك عدم وجود وال بدمشق فإن واليها كان خرج منها إلى الحج أميرا فجاء الوالي الثاني وقتل منهم من قدر عليه وفر منهم من فر وسلب دورهم ومتاعهم وأثاثهم ، ولحق دمشق وأهلها من ذلك الوالي وحاشيته وجنده كل بؤس ، وذلك بسبب قيامهم على أولئك الأشقياء ، وانتهبت غالب المنازل في دمشق وقتل خلق كثير من الأبرياء ، نزل هذا الجند الكثير من دور الناس ، وأخرجوا أهلها منها بالعنف وظهر من أتباع هذا الوالي ما أنسى أهل دمشق ما كانوا