الأرض منه نصرة للدين وغيرة على المسلمين ، ويذكر ما فعله بعلماء غزة في العام السابق من دفنهم في الأرض أحياء ، وأنه أخذ فتوى المذاهب الأربعة في قتاله ، وصرف الأموال والعساكر ليردوا الظالم ويستردوا المظالم ، فخرج العلماء والعوام من أهل دمشق كافة إلى محمد بك أبي الذهب وطلبوا منه الأمان فأمنهم وأكرمهم ، ودخل المدينة وجلس في دار الوزارة ونادى بالأمان ، وكانت القلعة لم تزل محاصرة فأمر بإطلاق المدافع عليها وطلب المحاصرون الأمان فتسلم القلعة. وتراجع عثمان باشا إلى حمص وجهز العساكر الكثيرة. وابتدأ إسماعيل بك يغير قلب محمد بك أبي الذهب على الشيخ ظاهر العمر فحصل بينهما فتور وخوفه عاقبة التمرد على السلطان فنهض بعساكره ليلا من دمشق وسار طالبا الديار المصرية ، وشاع رحيله من الغد فتعجب الأهلون من ذلك ولم يعلموا السبب فيه ، ورجع أولاد ظاهر العمر والمشايخ والمتاولة كل منهم إلى مكانه وقد تأسفوا على سعيهم.
وفي رواية أن السبب في ترك العسكر المصري بزعامة محمد بك أبي الذهب حصار دمشق أن عثمان باشا واليها لما أشرف على الهلاك بعث إلى قائد المماليك بصرة ثقيلة بالدنانير للرجوع عن محاربته فارتشى منه ، وأمر عسكره بترك المحاصرة وتركوا حصار قلعة دمشق ، فلما رأى ظاهر العمر خيانتهم ، وأنهم قد فارقوه وتركوه وحده عجز عن فتح القلعة فرجع إلى دياره ، فتخلص عثمان باشا وعاد يجهز العساكر بعد مدة قليلة للخروج لمحاربة ظاهر العمر ودخل أراضيه وحاصره في عكا وجدّ في الحصار حتى صعب الحال على الشيخ ، وكاد عثمان باشا يفتح عكا ، فما نجا الشيخ في هذه المرة إلا بمساعدة ولديه ، فقد جمعا العرب وهجما على الترك ليلا فكسروهم وشردوهم فهرب منهم عثمان باشا ، ثم جمع الشيخ ظاهر عساكره وحارب الدروز فغلبهم وتملك قراهم التابعة لعامل صيدا. ولما بلغ السلطان خبر فتوحه وهو مشتغل بحرب روسيا صعب الحال عليه ، فأرسل السلطان إلى الشيخ يعرض عليه الصلح ، وقد عزل عثمان باشا وولديه عن ولاية دمشق وصيدا وطرابلس ، وأما الشيخ ظاهر فقد أضمر في نفسه أن يدخل في طاعته الشام كله وهو يستند في ذلك على مساعدة علي بك أمير مصر.