والدولة قلما جهزت جيشا خاصا للقضاء على سلطة أحد المتغلبين اللهم إلا جيوشا أشبه بنجدات يوم مجيء أبي الذهب لفتح الشام ، واستغاثت بأبي الذهب لتنقذ الشام من ظاهر العمر فجاء بجيش من مصر ، اي إن الدولة كانت تستعين بالجار على جاره وبابن العم على ابن عمه وتضعفهم جميعا ، ومعظم حملاتها كانت للانتقام ممن يتلكأ في تأدية الجباية لها ، وقلما سمع بأنها نحت عاملا كبيرا لسوء إدارته ، وكثرة نهمته في جمع ثروته ، والعاقل المستقيم من ولاتها لا تطول ولايته كثيرا حتى يتمكن من إصلاح بعض الشؤون ، وكان الولاة في الحقيقة يستمتعون بلا مركزية واسعة لا يحتاجون معها إلى مراجعة الاستانة في كل أمر ، ولكن أين العامل النشيط فيهم الذي يعرف يدبر أمور الناس ، وإذا تهيأ الرجل فلا تحدثه نفسه بذلك حتى يتهم حالا بإرادة الاستقلال ويشي فيه جيرانه والطامعون في ولايته.
أما سلاطين هذا القرن فكانوا وسطا والوسط لا يعمل عملا نافعا ، ولم ينشأ للسلطنة صدور عظام عرفوا بالمضاء وحب العمل أمثال أبناء كوبرلي وصوقوللي في القرن الماضي ، بيد أن أعمالهم لم يصل إلى الشام منها إلا الصدى ، ولم يخرج من الشام نابغة بعقله وإدارته من أرباب الإقطاعات وغيرهم كما كان في القرن المنصرم ، وجل همهم مصروف إلى دفع عادية خصمائهم من أقربائهم أو غيرهم ، وكانوا دون من يأتي من الاستانة من الولاة عقلا وعدلا ، ومما ظهر في هذا القرن من النقص المحسوس قلة السكان فقلق العقلاء ، وكان في حلب قبل استيلاء العثمانيين (٣٢٠٠) قرية يتقاضى منها الخراج فنزل عددهما إلى أربعمائة قرية حتى إن ابن معن لم يقبل أن يتولى مقاطعة بني حمادة لأنها خربت ، وهام الفلاحون على وجوههم في المدن والجبال وهكذا الحال في ولاية دمشق وفلسطين. وقال فولنه : إن سكان كسروان وحده ضعفا سكان فلسطين. وهكذا كان السكان يكثرون في المقاطعات التي تتخلص مباشرة من إدارة الباب العالي مثل لبنان ووادي التيم ونابلس وعجلون ، وإن لم تكن حالتها مما يستحب.
أما أعمال العمران فلم يقم فيها إلا قصور لأرباب الدولة أمثال قصر لأسعد باشا العظم في دمشق وقصره في حماه إلى غير ذلك ، وقامت من المدارس مدرسة