الناس وتتحرك الحياة ، ويضعون شئون المجتمع ومشاكله نصب أعينهم ، ويقفون منه موقف الناصح الأمين.
لعمري لقد ملأ الإيمان قلوب الناس ، بل وعقولهم يوم كان الدين روحا وعقيدة وخلقا وعملا. ولم يمتحن المسلمون بأعظم من الجدل في العقيدة والخلاف في الدين ، حتى انحل ما كان معقودا من ألفتهم ، وخمد ما كان متأججا من روحهم. ولقد ظهر الغزالى في عصر مفعم بالفتن والاضطرابات والجدل والخلاف ، فدعا الناس إلى دين الله بلغة العاطفة والقلب حين رأى الدعوة إليه عن طريق الخصومة والجدل داعية فتنة وثائرة ضلال ، ولكن الغزالى يئس من المجتمع لأنه كان يود أن يرأه مجتمع ملائكة أبرار لا مجتمع شياطين أشرار ، فزهد في الحياة ، وعزف عن المجتمع ، واعتزل الناس ، إيثارا لسلامة الدين والنفس وبعدا عن شرور المجتمع وسيئاته ، وقلده في مذهبه الاجتماعي أصحابه ومريدوه ، فظلت تلك الروح نزعة لعلمائنا حتى العصر الحديث.
ولقد كانت أسمى غاية للأستاذ الامام محمد عبده من إصلاح الأزهر أن يحمله على الاندماج في المجتمع ، والتغلغل في أعماقه ، والسمو به ـ عن طريق الارشاد والتهذيب الديني الصحيح ـ إلى أبعد ما يستطاع من غايات ، وكان يريد من وراء ذلك أن يذكي في الأمة الإسلامية روح القوة والفضيلة ، وأن يدفع بها إلى الحياة الكريمة العزيزة ، لتستطيع أن تذود عن حريتها ، وتحافظ على تراثها المسلوب ، وحتى يتسنى لها ـ إذا تابعت السير في هذا المضمار ـ أن تستعيد ما كان لها من مجد باذخ وجلال قديم ، فتسير في قافلة الحياة البشرية داعية خير وهدى وسلام. ولقد أبى الأزهر حينئذ أن يستجيب لدعوة الأستاذ. الإمام وآثر أن يعيش في ظلام الجمود والحيرة ، عزوفا عن الجديد الذي كان يؤمن بأنه بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ...
وبعد ربع قرن من وفاة الأستاذ الإمام تكشفت غيوم الحيرة ، وخضدت