مكتبة الأزهر (١)
كان من تمام التيسير على طلبة العلم أن يكون لكل رواق مكتبة خاصة به ، تبتدىء بعدد قليل من الكتب يقفها أهل الخير ثم يتكاثر ، وعلى هذا كان لكثير من الأروقة مكتبات خاصة لا تخضع لأنظمة المكتبات التي عرفت أخيرا ، بل كان الانتفاع بها متروكا لمن ينشده من أهل الرواق أو غيرهم ، وليس في التاريخ نص صريح على أنه كان للأزهر مكتبة عامة قبل هذه المكتبة ، كما أنه يتعذر تحديد الوقت الذي نشأت فيه مكتبات الأروقة ، وكل ما يمكن أن يقال عنها : إنها قديمة أو قديمة جدا.
وقد لبثت مكتبات الأروقة على النحو الذي ذكرناه من عدم الضبط وإهمال الرقابة إلى عهد عبده ، فقد كان فيما تناوله تفكيره في الإصلاح إنشاء مكتبة أزهرية عامة تجمع شتات هذه الكتب المتفرقة في مكتبات الأروقة ، وتحفظ ما بقى من ذلك التراث العلمي الذي خلفه علماء الجامع الأزهر في العصور المتعاقبة من العبث والضياع. فقد ذكر بعض الباحثين أن كثيرا من نفائس الكتب التي كانت مودعة بمكتبات الأروقة تسرب إلى أيدي علماء أوروبا بواسطة سماسرة الكتب واستغلال الجهل والضعف الخلقي في نفوس القائمين على هذه المكتبات ، «فحين رئي تنظيم الجامع الأزهر وتوحيد مكتبته ظهر وهن الضمائر وضعف النفوس وإهمال الواجب نحو الكتب التي لعبت بها أيدي الضياع ، فتسرب بعضها وأهمل البعض الآخر للحشرات والأتربة فتلفت أوراقها وبليت ومزقت وخرمت وقطعت جلودها ، وأصبح لا يوجد منها كتاب سليم مستقيم إلا ما ندر ، ويظهر للباحث أن كتب الأزهر قبل سنة ١٨٩٧ كانت تتسرب لمتصيديها المتربصين لها منتهزين فرصة وجودها في عهدة أشخاص ملأ الجهل صدورهم وتبرأت الأمانة من قلوبهم بداعي الحاجة أو الاغراء ، فأساءوا للتعليم وخانوه جهلا أو عمدا أو تقصيرا من أولى الشأن ، فبدد هؤلاء الاشخاص أثمن ما ترك السلف ثروة
__________________
(١) من تقرير للأستاذ مدير مكتبة الأزهر : الشيخ أبو الوفا المراغى ـ مجلة الأزهر.