الموازنة مفقودة ، فالتاريخ الذي حفظ لنا تراث المدرسة النظامية في شخصيات كبار أساتذتها قد ضن علينا بتراث الأزهر وإنتاجه العلمي في هذه الحقبة ، لأنه إنتاج شيعي تعصب عليه وناوأه أعداء الشيعة.
ولقد شاء القدر العتيد أن تطوي الدولة الفاطمية وآثارها من الوجود بعد قرنين حافلين ـ حيث ثل السلطان صلاح الدين الأيوبي عرشها ومحى آثارها وثقافتها ، وقبض بيده على أمور مصر وسياستها عام ٥٦٧ ه ، وكان فيما حاربه وقضى عليه المذهب الشيعي الفاطمي ، وأحل محله المذهب السني الذي تؤيده خلافة بني العباس وتنكر الزمن للأزهر فعطلت دروسه ، وتفرقت شيوخه ، ومنعت منه الخطبة ، وحل الكثير من أوقافه ، وشارك الدولة الراحلة آلام التطور السياسي الجديد وبعد عهد الانقلاب السياسي وعودة الاطمئنان العقلي ، عادت إلى حلقاته الدراسات الفقهية ، لا سيما الفقه الشافعي ولكن بشكل متقطع غير مستقر ، واستمر الأمر على ذلك قرنا من الزمن.
ولكن الأحداث السياسية العظيمة في الشرق الإسلامي أعادت إلى الأزهر ماضيه العلمي المجيد .. ففتح التتار المغول لبغداد وشتى عواصم البلاد الإسلامية وعصفهم بالتراث الإسلامي الثقافي بإحراق دور الكتب ، وتبديد نفائس الأسفار فيها حرقا وتمزيقا ورميا بها في ماء دجلة والفرات ، وتفريق العلماء ورجال الثقافة الإسلامية وتعطيل الدراسات الثقافية : دينية وعقلية ولغوية في شتى مدارس الشرق الإسلامي وجامعاته ، ثم انتقال الخلافة العباسية من بغداد إلى القاهرة في عهد المماليك وعلى يد السلطان الظاهر بيبرس سنة ٦٥٩ ه ، ثم أهمية مصر السياسية والاقتصادية وصبغتها العربية ، ووقوعها في قلب العالم الإسلامي وثقافتها العقلية القديمة ـ كل هذه الأسباب أدت إلى إعادة النشاط العلمي في الأزهر فشجع بيبرس التعليم فيه وأعاد إليه الخطبة عام ٦٥٩ ه ، ووقف على أساتذته وطلابه الأوقاف الكثيرة والأموال الطائلة.
ومنذ ذلك الحين ذاع صيت الأزهر واستعاد مكانته العلمية وأمه الطلاب من كل صوب وحدب ، من أواسط أفريقية إلى جنوب روسيا ، ومن