ومن أساتذة الأزهر في ذلك العهد عز الدين بن عبد السلام الملقب بسلطان العلماء وتلميذه القشيري وهو الذي لقبه بهذا اللقب ، وعز الدين هذا كما كان مثلا في الشجاعة وهو أصدق مرآة نرى فيها أخلاق العلماء ، يقول ابن السبكى في طبقاته : «إنه وقف في وجه القائم بأمر مصر وقتئذ لما أراد أن يفرض ضريبة على التجار قائلا : «إذا أحضرت ما عندك وعند حريمك من الحلى وأحضر الأمراء ما عندهم من الحلى الحرام وضربته سكة ونقدا وفرقته ولم يقم بالكفاية فلك أن تطلب القرض ، وأما قبل ذلك فلا». ويقول عنه أيضا إنه لما توفى عز الدين بن عبد السلام سنة ٦٦٠ ه ومرت جنازته تحت القلعة ، وشاهد الظاهر بيبرس كثرة الخلق الذين معها قال لبعض خواصه : «اليوم استقر أمري في الملك لأن هذا الشيخ لو كان أمر الناس في بما أراد لبادروا إلى امتثال أمره». وكان عز الدين هذا خطيبا لجامع عمرو ، ولهذه المناسبة أقول : إن المقريزي المؤرخ العظيم كان هو الآخر خطيبا لجامع الحاكم.
ومن علماء مصر الأفاضل الذين أثروا في الأزهر وتأثروا به العالم البارع الطويل الباع في أصول الفقه وفروعه وفي العربية وغيرها ، الفقيه المالكي ابن الحاجب وكان أبوه حاجبا عند الأمير عز الدين موسك الصلاحي ، وقد صنف في الأصول : المختصر والمنتهي ، وفي فقه المالكية المختصر وله في النحو الكافية ، والوافية ، وفي التصريف الشافية ، وشرح الكل ، وله شرح المفصل ، والأمالي النحوية وقصيدة في العروض. ومن أساتذته في القراءات الشاطبي وتوفى بالأسكندرية سنة ٦٤٦ ه ، ونذكر أنه مدفون بجوار أبي العباس المرسي ، ومنهم إمام النحو واللغة ابن هشام الذي قال عنه ابن خلدون «ما زلنا ونحن بالمغرب نسمع أنه ظهر بمصر عالم بالعربية يقال له ابن هشام أنحي من سيبويه» ، ومن أكابر أساتذة العلم المنتجين الذين عرفتهم مصر : الثبت الثقة ، الصدوق النبيل ، الحافظ للحديث ، الحجة فيه ، أستاذ الحديث في المؤيد ، البدر العينى صاحب عمدة القارىء شرح صحيح البحارى ، ويقولون : إنه داوم على إقراء الحديث