وكان أديبا متذوقا. فقد أوتي حافظة قوية كنت أغبطه عليها ، ملمة بشتى عصور الأدب وتقلباتها وحوادثها إلماما محمودا ، وكثيرا ما تجود بالأبيات والطرف الأدبية والأمثال ونحو ذلك عند أدنى مناسبة .. وكان يطرب للدعابة اللطيفة والنكتة الرائعة ـ ولو على حسابه ـ ويأخذ حينذاك سبيله إلى المرح قائلا : «لقد قتلتنا كثرة الجد» ، ولكنه سرعان ما ينحدر إلى سوق الحكم ، والنعي على الدنيا ، مع الرضا والاستسلام لقضاء الله وقدره.
وكان كثير البحث عن مظان اللغة ، يحفظ من ألفاظها عددا تكتنز فيه المعاني ، أو يعبر عن المعاني الغريبة او المستحدثة ، ويعني بالألفاظ الطوافة في اللغات ، وما كسبته في كل لغة من المعاني. وأغلب الظن أن في مسجلاته كثيرا منها.
ولا نقول جديدا إذا نوهنا بدروسه الدينية وخطبه المنبرية ، فإنه أسبغ عليها سمة من التجديد ، وغذاها بما تفيض به نزعته الأدبية وثقافته الواسعة ، فخرجت بجديد أسلوبها ومعناها ، عصرية بريئة من السمت التقليدي القديم. ومنذ سنوات أخذ على عاتقه إخراج كتاب من أهم كتب الحديث والفقه والقضاء الإسلامي ، وهو كتاب (أخبار القضاة) لمحمد بن خلف بن حيان ، المشهور بوكيع ، استعار نسخته الشمسية الوحيدة ، وأنفق فيها النفيس من وقته ، والمرجو من راحته ، حتى استقام له تقديمها إلى المطبعة. فأنجزت منها جزءين وبقي جزآن.
وقد عنى في الكتاب بالتصحيح والتعليق وشرح الغامض وتخريج الأحاديث ، بما يشعرك بعمله الغزير وأدبه الجم وإحاطته بمسائل الفقه ومواضع الحديث ومظان الأدب. وبما يشعرك بصبره وبالغ جهده في سبيل خدمة دينه وشريعته.
وقد توفي بعد الشيخ بقليل أخوه الأكبر الشيخ أحمد مصطفى المراغى صاحب «تفسير القرآن الكريم» المسمى تفسير المراغى ، وسواه من الكتب ، وذلك عام ١٩٥٢.