وفي تلك السنة توفيّ ، وولى ابنه أتابك يوسف ، عشرة أعوام (٨٧) ، ثم ولى أخوه أفراسياب، ولما دخلت مدينة إيذج أردت رؤية السلطان أفراسياب المذكور فلم يتأت لي ذلك بسبب أنه لا يخرج إلّا يوم الجمعة لإدمانه على الخمر ، وكان له ابن هو وليّ عهده وليس له سواه فمرض في تلك الأيام ، ولمّا كان في إحدى الليالي أتاني أحد خدّامه وسألني عن حالي فعرّفته وذهب عنّي ، ثم جاء بعد صلاة المغرب ومعه طيفوران كبيران ، أحدهما بالطعام والآخر بالفاكهة ، وخريطة فيها دراهم ومعه أهل السماع بآلاتهم ، فقال : اعملوا السماع حتى يرهج الفقراء ويدعون لابن السلطان، فقلت له : إن أصحابي لا يدرون بالسماع ولا بالرقص (٨٨) ، ودعونا للسلطان ولولده ، وقسمت الدراهم على الفقراء ، ولما كان نصف الليل سمعنا الصراخ والنواح ، وقد مات المريض المذكور (٨٩) ، ولما كان الغد دخل عليّ شيخ الزاوية وأهل البلد ، وقالوا : إن كبراء المدينة من القضاة والفقهاء والأشراف والأمراء قد ذهبوا إلى دار السلطان للعزاء فينبغي لك أن تذهب في جملتهم فأبيت عن ذلك ، فعزموا عليّ ، فلم يكن لي بدّ من المسير ، فسرت معهم فوجدت مشور(٩٠) دار السلطان ممتلئا رجالا وصبيانا من المماليك وابناء الملوك والوزراء والأجناد وقد لبسوا التّلاليس وجلال الدوابّ ، وجعلوا فوق رؤسهم التراب والتبن ، وبعضهم قد جزّ ناصيته ، وانقسموا فرقتين : فرقة باعلى المشور وفرقة بأسفله ، وتزحف كلّ فرقة إلى جهة الأخرى وهم ضاربون بأيديهم على صدورهم (٩١) قائلون : خوند كارما ، ومعناه مولاي أنا فرأيت من ذلك امرا هائلا ومنظرا فضيحا لم أعهد مثله.
__________________
(٨٧) يوجد هنا أيضا بعض الارتباك حيث إن الأمير نصرت الدين أحمد توفى عام ١٣٣٣ والجوبان (شوبان) كان قتل عام ١٣٢٨. دخول يوسف للحكم كان يختلف بين ١٣٣٠ وتاريخ ١٣٣٣ ، ومن الممكن أن يكون مساعدا في بعض السنوات حيث إنه حسب رسائل فضل الله رشيد الدين كان ينعت قبل هذا باتابك يوسف شاه ملك لورستان". هذا ومعنى يرهج : يهيج بعضهم بعضا.
(٨٨) يقارن موقف ابن بطوطة هنا حول الموسيقى بموقفه منها وهو يصحب معه في بعض أسفاره عددا من المغنيين ليسمعوه النوبات المطربة بالرغم مما نقرأه في رسالة ابن أبي زبد القيرواني ـ يراجع ج III ص ٤٣٧.
(٨٩) حول أسرة افراسياب ـ انظرB.Spuleter ,Hazaraspides ,Enscyc de l\'Islam.
(٩٠) كلمة (المشور) مغربية أصلا الساحة التي تتم فيها مشورة رجال الدولة ، وما يزال الاستعمال سائدا في المغرب يطلق على حرم القصر الملكي ، ولا يوجد استعمال" لهذه الكلمة في المشرق ـ والتلاليس جمع تلّيس وهو استعمال مغربي يعني الأكياس الكبرى المصنوعة من الدوم مثلا لوضع الحبوب والبضاعات الثقيلة ويجعل التليس عادة على ظهر الدّابة ...
(٩١) يلاحظ على ابن بطوطة دهشته من الطريقة التي يعبّر بها سكان تلك الجهات عن أساهم ... وقد حضرت مثل هذه المشاهد أثناء مقامي بالعراق وخاصة ليلة عاشوراء كما حضرتها في تهران بمناسبة وفاة الشيخ الطالقاني عام ١٩٧٩ رحمهالله ، هذا وان كلمة خوندكارKhundikar تشبه الكلمة الفارسية خاواندگار وتعنى سيدي ، مولاي ، أمّا كلمة ما فتعني ياء المتكلم أو نونه ، هذا وترسم النسخ كلمة فضيح وليس فظيع كما يوجد في بعض النسخ المنشورة!