ويغنّى عشرة من أهل الطرب نوبتهم ، فإذا قضوها ضربت تلك الأطبال والصّرنايات ثم امسكوا وغنّى عشرة آخرون نوبتهم هكذا إلى أن تتمّ عشر نوبات ، فعند ذلك يكون النزول ويكون عن يمين السلطان وشماله حين سيره كبار الامراء وهم نحو خمسين ومن ورائه أصحاب الأعلام والأطبال والأنفار والبوقات ثم مماليك السلطان ثم الأمراء على مراتبهم وكل أمير له أعلام وطبول وبوقات ، ويتولّى ترتيب ذلك كلّه أمير جندر وله جماعة كبيرة ، وعقوبة من تخلّف عن فوجه وجماعته أن يؤخذ تماقه فيملأ رملا ويعلّق في عنقه ويمشي على قدميه حتّى يبلغ المنزل! فيوتى به إلى الأمير فيبطح على الأرض ويضرب خمسا وعشرين مقرعة على ظهره سواء كان رفيعا ووضيعا لا يحاشون من ذلك أحدا ، وإذا نزلوا ينزل السلطان ومماليكه في محلّة على حدة وتنزل كلّ خاتون من خواتينه في محلة على حدة ، ولكل واحدة منهن الإمام والمؤذّنون والقرّاء والسّوق.
وينزل الوزراء والكتّاب وأهل الأشغال على حدة ، ويأتون جميعا إلى الخدمة بعد العصر ويكون انصرافهم بعد العشاء الأخيرة ، والمشاعل بين أيديهم ، فإذا كان الرحيل ضرب الطبل الكبير ثم ضرب طبل الخاتون الكبرى التي هي الملكة ، ثم أطبال سائر الخواتين ، ثم طبل الوزير ثم أطبال الأمراء دفعة واحدة ، ثم يركب أمير المقدّمة في عسكره ثم يتبعه الخواتين ، ثم أثقال السلطان وزاملته وأثقال الخواتين ثم أمير ثان في عسكر له يمنع الناس من الدخول فيما بين الأثقال والخواتين، ثم سائر الناس!
وسافرت في هذه المحلّة عشرة أيام ، ثم صحبت الأمير علاء الدين (٢٤٨) محمد إلى بلدة تبريز وكان من الأمراء الكبار الفضلاء فوصلنا بعد عشرة أيام إلى مدينة تبريز ونزلنا
__________________
(٢٤٨) هذا الامير علاء الدين بن محمد سيعيّن في هذه السنة ، بعد اغتيال دمشق خواجه (أو خوجا) وزيرا ومفتشا للمالية ـ أبو سعيد كان في طريقه نحو السلطانية" العاصمة الجديدة التي بناها أولجايتو ـ وتقع على بعد ٦٥ غربي قزوين وبعد ١٩٠ ، جنوب غربي تبريز" ـ السلطانية تقع على بعد حوالي ٤٠٠ ميل عن بغداد على طريق همدان ـ كانت السلطانية النقطة التي غادر فيها ابن بطوطة" المحلة" مارا على مقربة من همدان" ٢٨٠ من بغداد" ـ الصّرناي : آلة موسيقية تشبه النّاي ، مزمار مغلف بعود ـ جندر : كلمة فارسية تعني الحرس الخاص بالملك ـ أهل الاشغال : المشرفون على الإدارة ـ حول دلالات نقرات الطبول في المغرب يراجع تاريخ ابن صاحب الصّلاة (مصدر سابق) ص ٤٠٤.