هذه المدينة فلم يبق منها إلا القليل وهي معتدلة الهواء رائقة الحسن على بلائها ، ودروس معالمها ، وفيها أيضا مشهد صاحب الزمان (٢٥٨) كما بالحلّة ثم سرنا منها مرحلة ووصلنا إلى مدينة تكريت(٢٥٩) وهي مدينة كبيرة فسيحة الارجاء مليحة الأسواق ، كثيرة المساجد ، وأهلها موصوفون بحسن الاخلاق ، والدجلة في الجهة الشمالية (٢٦٠) منها ، ولها قلعة حصينة على شطّ الدجلة ، والمدينة عتيقة البناء عليها سور يطيف بها ، ثم رحلنا منها مرحلتين ووصلنا إلى قرية تعرف بالعقر(٢٦١) على شطّ الدجلة ، وبأعلاها ربوة كان بها حصن وبأسفلها الخان المعروف بخان الحديد، له أبراج وبناؤه حافل والقرى والعمارة متّصلة من هنالك إلى الموصل ، ثم رحلنا ونزلنا موضعا يعرف بالقيّارة (٢٦٢) بمقربة من دجلة ، وهنالك أرض سوداء فيها عيون تنبع بالقار ويصنع له أحواض يجتمع فيها فتراه شبه الصلصال على وجه الارض حالك اللون صقيلا رطبا ، وله رائحة طيّبة ، وحول تلك العيون بركة كبيرة سوداء يعلوها شبه الطحلب الرقيق فتقذفه إلى جوانبها فيصير أيضا قارا ، وبمقربة من هذا الموضع عين كبيرة فإذا أرادوا نقل القار منها أوقدوا عليها النار فتنشق النار ما هنالك من رطوبة مائيّة ، ثم يقطعونه قطعا وينقلونه وقد تقدّم لنا ذكر العين التي بين الكوفة والبصرة على هذا النحو ، ثم سافرنا من هذه العيون مرحلتين ووصلنا بعدهما إلى الموصل(٢٦٣).
__________________
(٢٥٨) توجد في سامراء قبور الامام العاشر : علي الهادي التّقي ٢٢٠ ـ ٢٥٤ ٨٣٥ ـ ٨٦٨ ، والامام الحادي عشر : حسن العسكري ٢٦٠ ـ ٢٥٤ ٨٧٤ ـ ٨٦٨. هذا ويعتقد بعضهم أنّه في حجرة هنا داخل المسجد ، اختفى عام ٢٦٤ ٨٧٨ الامام الثاني عشر : صاحب الزمان ... ويعتبر المكان مزارة يتردد عليها الناس وقد كنّا من بين هؤلاء الذين كانو يترددون عليها أثناء سفارتينا بالعراق ...
(٢٥٩) تكريت تقع على الساحل الغربي لدجلة على بعد خمسين كيلوميترا شمال سامراء. يذكر بن حوقل أن تكريت قديمة البناء وأنها تجمع سائر فرق النصارى ، وبها من البيع والاديرة القديمة التي تقارب عهد عيسى والحواريين. لم تتغير أبنيتها وثاقة وجلدا ... وتعتبر الدرع الذي يحمي قلب العراق من غارات الشمال ـ وقد احتفظت لأهلها النّشامى بذكريات جميلة أيامي مقامي بالعراق ... وما زالت أهازيج أطفالهم ترن في أذني وأنا أزور تكريت صحبة أهلي وأبنائي :
يا بن المغرب أهلا بك |
|
شعب تكريت يحييك!! |
(٢٦٠) من المهم أن نلاحظ هنا أن الرحالة المغربي وهو يستوحي من ابن جبير لم يفته أن يصلّح بعض ما جاء فيه: فهو يصلح" الجهة الجوفية" الجنوبية" الواردة عند ابن جبير بالجهة الشمالية ...
(٢٦١) بنيت العقر على موقع للمدينة الأشورية : كرتوكلتي نينورتا (Kartukulta ـ Ninurta) على بعد ٦٤ ميلا شمال تكريت.
(٢٦٢) القيارة أو الكيارة مكان يقع على بعد خمسين كيلوميترا جنوب الموصل ومنه يستخرج القار والقطران على ما عرفنا ـ يراجع التعليق رقم ١٨٩ من هذا الفصل.
(٢٦٣) أسست مدينة الموصل عام ٤٠ ٦٦٠ من قبل العرب كحامية في مكان كان به رباط محصن موجود على الشاطئ الغربي لدجلة ، كانت عاصمة للجزيرة الفراتية :(lAESOPOTAMIE) ابتداء من نهاية الفترة الأموية ، وابن بطوطة يقتبس كذلك هنا بعض المقاطع من ابن جبير الذي سبق له أن زار الموصل عام ٥٨٠ ١١٨٤ وقد سميت تلك المنطقة بالجزيرة لأنها تقع بني دجلة والفرات ، وقد تسمى أقور ، أنظر معجم البلدان ـ سعيد الدّيوه جي : بحث في تراث الموصل ، ١٩٨٢.