الإطلاق ، أكثرهم يحفظون القرآن الكريم ويجيدون تجويده بالقراءة الصحيحة واليهم ياتي أهل بلاد العراق برسم تعلّم ذالك.
وكان في القافلة التي وصلنا فيها جماعة من الناس أتوا برسم تجويد القرآن على من بها من الشيوخ ، وبها مدرسة عظيمة حافلة فيها نحو ثلاث مائة خلوة ينزلها الغرباء القادمون لتعلّم القرآن ، عمّرها الشيخ تقيّ الدين بن عبد المحسن الواسطيّ (٢٤) ، وهو من كبار أهلها وفقهائها ويعطي لكلّ متعلّم بها كسوة في السنة ويجرى له نفقته في كلّ يوم ويقعد هو واخوانه وأصحابه لتعليم القرآن بالمدرسة ، وقد لقيته وأضافني وزوّدني تمرا ودراهم ، ولمّا نزلنا مدينة واسط أقامت القافلة ثلاثا بخارجها للتجارة فسنح لي زيارة قبر الوليّ أبي العباس أحمد الرفاعيّ (٢٥) ، وهو بقرية تعرف بأم عبيدة (٢٦) على مسيرة يوم من واسط ، فطلبت من الشيخ تقي الدين أن يبعث معي من يوصلني إليها فبعث معي ثلاثة من عرب بني أسد (٢٧) ، وهم قطّان تلك الجهة ، وأركبني فرسا له وخرجت ظهرا فبتّ تلك الليلة بحوش بني أسد ، ووصلنا في ظهر اليوم الثاني إلى الرّواق ، وهو رباط عظيم فيه آلاف من الفقراء وصادفنا به قدوم الشيخ أحمد كوجك حفيد (٢٨) وليّ الله أبي العبّاس الرفاعي الذي قصدنا زيارته ، وقد قدم من موضع سكناه من بلاد الروم برسم زيارة قبر جدّه واليه انتهت الشياخة بالرّواق ، ولمّا انقضت صلاة العصر ضربت الطبول والدفوف وأخذ الفقراء في الرقص ثم صلّوا المغرب وقدّموا السّماط ، وهو خبز الأرز والسمك والتمر فأكل النّاس ثم صلّوا العشاء الآخرة وأخذوا في الذكر والشيخ أحمد قاعد على سجّادة جدّه المذكور ، ثم أخذوا في السماع وقد أعدّوا احمالا من الحطب فأجّجوها نارا ودخلوا في وسطها يرقصون ، ومنهم من يتمرّغ فيها ، ومنهم من يأكلها بفمه حتّى أطفأوها جميعا وهذا دأبهم وهذه الطايفة الأحمديّة (٢٩)
__________________
(٢٤) هو عبد الرحمن بن عبد المحسن المتوفى سنة ٧٤٣ ـ ٧٤٤ ١٣٤٣ ـ ١٣٤٤ وهو مؤلف ترجمة الشيخ الرفاعي.Gibb : The Travel TII ,P ٢٧٢ Note ٧
(٢٥) سلفت ترجمة الشيخ أحمد بن علي الرّفاعي المتوفى ٥٧٨ ١١٨٢ ج I ، ٢٢٣ تعليق ٢٤٨.
(٢٦) أم عبيدة أو عبيدة تقع على بعد خمسين ميلا جنوبا شرقي واسط ، وتسمّى في الخرائط اليوم الرفاعي.
(٢٧) بنو أسد من أشهر القبائل العربية التي أقامت بالعراق منذ الفتح الإسلامي للمنطقة.
(٢٨) كوجك (KOUCHUK) وتعني بالفارسية أو التركية الصّغير ، وهو ابن تاج الدين الذي يذكر على أنه أحد حفدة الشيخ أحمد لكن الذي عليه معظم المؤرخين من أمثال ابن خلّكان أن الشيخ الرفاعي لم يخلّف وان العقب لأخيه ... رقم ٢٤٨ ج I ص ٢٢٣.
(٢٩) كان اسم (الأحمدية) يطلق على هذه الطريقة بيد أنه ترك فيما بعد حتى لا يلتبس مع طريقة أخرى توجد بمصر تنسب للشيخ أحمد بدوي تحمل نفس الاسم.