[جنوب الجزيرة ـ شرق افريقيا ـ الخليج]
فخرجت في تلك الأيّام من مكّة شرفها الله تعالى قاصدا بلاد اليمن فوصلت إلى حدّة (١) ، بالحاء المهمل المفتوح ، وهي نصف الطريف ما بين مكّة وجدّة بالجيم المضموم ، ثمّ وصلت إلى جدّة (٢) وهي بلدة قديمة على ساحل البحر يقال إنها من عمارة (٣) الفرس وبخارجها مصانع قديمة وبها جباب للماء منقورة في الحجر الصلد ، يتّصل بعضها ببعض تفوت الإحصاء كثرة (٤) وكانت هذه السنة قليلة المطر وكان الماء يجلب إلى جدّة على مسيرة يوم وكان الحجّاج يسألون الماء من أصحاب البيوت.
حكاية [الأعمى والخاتم]
ومن غريب ما اتّفق لي بجدّة انّه وقف على بابي سائل أعمى يطلب الماء يقوده غلام فسلّم عليّ وسمّاني باسمي وأخذ بيدي ولم أكن عرفته قطّ ولا عرفني ، فعجبت من شأنه ثم أمسك إصبعي بيده ، وقال اين الفتخة؟ وهي الخاتم ، وكنت حين خروجي من مكّة قد لقيني بعض الفقراء وسألني ، ولم يكن عندي في ذلك الحين شيء ، فدفعت له خاتمي ، فلما سألني عنه
__________________
(١) حدة أو حدّاء كما يقول ياقوت : واد فيه حصن ونخل بين مكة وجدة على بعد ١٨ ميلا غرب مكة ، ما يسمى اليوم بوادي فاطمة. ويذكر ابن المجاور أنها إنما عرفت حدة بهذا الاسم لأنها اخر حدود وادي نخلة ... كانت تحت ملك الأشراف إلى عام ٦٢٢ حيث ملك الأمير طنبغا الملك الكامل ولاية الحجاز وملك نخل الأشراف ... وكان الأمير يوقف في الموضع رتبة خيل يجيزون القوافل في الطرق وكان لهم على كلّ حمل دينار علوية ... ـ ابن المجاور : صفة اليمن ومكة وبعض الحجاز المسمّاة تاريخ المستبصر. تصحيح أوسكار لوفكرين O.Lofgren الطبعة الثانية ١٤٠٧ ـ ١٩٨٦ ص ٤٢ منشورات المدينة.
(٢) يقول ناصر خسرو علوي عن جدّة التي زارها في جمادى الثانية ٤٤٢ أكتوبر ١٠٥٠ : إنها مدينة كبيرة لها سور حصين وبها خمسة آلاف رجل ، وليس بخارجها عمارات أبدا عدا مسجدها الجامع المعروف بمسجد رسول الله ، ولها بابان أحدهما شرقي يؤدي لمكة والثاني غربي يؤدي للبحر ... وليس بجدة شجر ولا زرع وبينها وبين مكة اثنا عشر فرسخا ، وأمير جدة تابع لأمير مكة تاج المعالي ابن أبي الفتوح الذي هو أمير المدينة أيضا ، وقد كتب إلى أمير مكة يقول عن خسرو : هذا رجل عالم لا يجوز أن يوخذ منه شيء ..."!
ويروي الهروي (ت ٦١١) في كتابه (الإشارات) أن حواء هبطت بجدة ..." ويصفها ابن جبير بأنها قرية وأنها تحتوي على أثار تدل على أنها مدينة قديمة ، ويذكر ياقوت (ت ٦٢٦) أنها على ساحل بحر اليمن وأنها فرضة مكة ، ويؤدى عنها ابن المجاور وصفا جيّدا وتاريخا حافلا ص ٤٣ ـ ٤٥ راويا أنه لما خربت سيراف انتقل أهلها إلى سواحل البحر فسكنوا جدة واداروا عليها السور ...
(٣) يتحدث المؤرخ يوسف ابن المجاور (ت ٦٩٠ ١٢٩١) في مؤلفه" تاريخ المستبصر" عن احتلال جدة من قبل الفرس بعد خراب سيراف عام ٦٣٣ ٩٧٧ في أعقاب زلزال ـ راجع التعليق السابق.
(٤) ابن بطوطة يقتبس هنا كذلك من رحلة ابن جبير الذي يتحدث عن" الجباب المنقورة في الحجر الصّلد ..." ويقدم لنا ابن المجاور هنا لائحة بأعداد الجباب.