الملوك ، وكفاية الله وحفظه وصيانته عن أن تنوشه أيدي النكبات أو ينتهك ستر دينه بشيء من الزلات وكانت خاتمة أمره إقباله على حديث المصطفى صلىاللهعليهوسلم ومجالسة أهله ومطالعة الصحيحين للبخاري ومسلم اللذين هما حجة الإسلام ولو عاش لسبق في ذلك الفن بيسير من الأيام يستفرغه في تحصيله ، ولا شك أنه سمع الأحاديث في الأيام الماضية ، واشتغل في آخر عمره بسماعها ولم يتفق له الرواية ، ولا ضرر فيما خلفه من الكتب المصنفة في الأصول والفروع وسائر الأنواع ، فخلد ذكره ، وتقرر عند المطالعين المصنفين المستفيدين منها أنه يخلف مثله بعده ، ومضى إلى رحمة الله تعالى يوم الاثنين الرابع عشر من جمادى الآخرة سنة خمس وخمسمائة ، ودفن بظاهر قصبة طابران (١) والله تعالى يخصه بأنواع الكرامة في آخرته كما خصه بقبول العلم في دنياه بمنّه ، ولم يعقب إلّا البنات ، وكان له من الأسباب إرثا وكسبا ما يقوم بكفايته ونفقة أهله وأولاده فما كان يباسط أحدا في الأمور الدنيوية. وقد عرضت عليه أموال فما قبلها ، وأعرض عنها واكتفى بالقدر الذي يصون به دينه ولا يحتاج معه إلى التعرض لسؤال ومنال من غيره.
ذكر أبو محمد بن الأكفاني : أن الإمام أبا حامد الغزالي (٢) توفي في جمادى الأولى سنة خمس وخمسمائة بمدينة طوس.
٦٩٦٥ ـ محمّد بن محمّد بن محمّد بن أحمد بن إسماعيل
أبو حامد الطوسي التروي (٣) الفقيه الشافعي
سمع أبا المعالي محمّد بن إسماعيل الفارسي ، وأبا محمّد عبد الجبّار (٤) بن محمّد البيهقي ، وأبا (٥) بكر وجيه بن طاهر الشّحّامي ، وأبا الفتوح عبد الوهّاب بن شاه الشادياخي ، وأبا الأسعد هبة الرّحمن بن عبد الواحد القشيري ، وأبا سعيد محمّد بن يحيى الجنزي الفقيه.
وعنه أخذ علم الخلاف وبه تخرج ، وقدم علينا دمشق في جمادى الأوّلى سنة خمس وستين وخمسمائة ، ونزل (٦) دويرة السّميساطي ، وكان حسن المناظرة ، فقيه النفس ، وسألته
__________________
(١) طابران : إحدى مدينتي طوس ، والأخرى نوقان (معجم البلدان).
(٢) قال عبد الغافر الفارسي : وقولهم : الغزّالي والعطاري والخبازي نسبة إلى الصنائع بلسان العجم ، بجمع ياء النسبة والصيغة. وقال ابن خميس : قال لي الغزالي : الناس يقولون لي الغزّالي ولست الغزّالي ، وإنما أنا الغزالي منسوب إلى قرية يقال لها غزالة. راجع سير أعلام النبلاء ١٩ / ٣٤٣.
(٣) كذا رسمها بالأصل ، وفي «ز» : اليروي.
(٤) بالأصل : «أبا محمد بن عبد الجبّار ...» والمثبت عن «ز» ، ترجمته في سير أعلام النبلاء ٢٠ / ٧١.
(٥) بالأصل : «وأبو».
(٦) بالأصل : تولى ، والمثبت عن «ز».