علمه ، ونزاهة نفسه ، وحرصه على نشر العلم ، وبثه في أهله ، وكان ورعا تقيا ، إماما في علم الحديث وعلله ، ومعرفة متونه ، ورواته ، محققا في علم التحقيق والأصول على مذهب أصحاب الحديث بموافقة الكتاب والسّنّة ، فصيح العبارة ، نظيف الإشارة ، متبحرا في علم الأدب والعربية والشعر والرسائل (١) ، له التصانيف الكبيرة منها : «تجريد الصّحيحين للبخاري ومسلم ، والجمع بينهما» ، «وتاريخ الأندلس» ، وحمل تاريخ الإسلام ، وكتاب : «فيمن ادّعى الإيمان لأهل الإيمان» (٢) ، وكتاب : «الذهب المسبوك» «في وعظ الملوك» ، وكتاب : «تسهيل السّبيل إلى تعليم الترسيل» (٣) ، كتاب : «مخاطبات الأصدقاء في المكاتبات واللقاء» «وما جاء من النصوص والآثار في حفظ الجار وكتاب : «ذمّ النميمة» وغير ذلك ، وله شعر حسن رصين في المواعظ والأمثال ، وفضل العلم والعلماء.
مات ببغداد في ذي الحجّة سنة ثمان وثمانين وأربعمائة ، ودفن في مقبرة باب أبرز ، وكان أوصى إلى الأجلّ مظفر بن رئيس الرؤساء أن يدفنه عند بشر الحافي ـ رحمة الله عليه ـ فخالف وصيته ، فلمّا كان بعد مدة رآه مظفر في النوم كأنه يعاتبه على مخالفة وصيته ، فنقل في صفر سنة إحدى وتسعين وأربعمائة إلى مقبرة باب حرب ، ودفن عند قبر بشر بن الحارث ، وكان كفنه جديدا (٤) ، وبدنه طريّا يفوح منه رائحة الطيب ، ووقف كتبه على أهل العلم (٥).
قال يحيى : وكانت وفاته ليلة الثلاثاء السابع عشر من ذي الحجّة ، وصلى عليه الفقيه أبو بكر الشاشي في جامع القصر.
قال لي أبو الفضل محمّد بن محمّد بن محمّد بن عطاف توفي أبو عبد الله الحميدي يوم الثلاثاء سابع عشر ذي الحجّة من سنة ثمان وثمانين وأربعمائة ، ودفن بباب بيرز ثم حوّل إلى باب حرب ، ودفن بجنب بشر بن الحارث.
٦٨٩٥ ـ محمّد بن فراس أبو عبد الله العطّار
حكى عن الوليد بن عتبة.
__________________
(١) كذا بالأصل و «ز» ، وفي سير أعلام النبلاء : والترسّل.
(٢) في معجم الأدباء : من ادعى الأمان من أهل الإيمان.
(٣) سمّاه في سير أعلام النبلاء : كتاب الترسل.
(٤) بالأصل : «جديد» تحريف ، والتصويب عن «ز».
(٥) سير أعلام النبلاء ١٩ / ١٢٦ ومعجم الأدباء ١٨ / ٢٨٤.