وقال الآخر (١) :
من لم يمت عبطة يمت |
|
هرما للموت كأس فالمرء ذائقها |
العبطة : أن يموت الرجل من غير علّة ، ومن هذا قولهم : دم عبيط ، إذا كان طريا قد خرج من دم صحيح (٢).
وقال أبو حاتم السجستاني : لا يقال للموت كأس.
قال القاضي : وهذا خطأ منه ، قد يضاف الكأس إلى المنية ، وقد توصف المنية بأنها كأس ، كما توصف بأنها رحى ، وتضاف إليها الرحى ، فيقال : المنية رحى دائرة على الخلق ، وللمنية على الناس رحى دائرة ، والموت كأس مرة ، والموت كأس كريهة ، ويقال : شرب فلان كأس المنية ، فيضاف الكأس إليها ، قال مهلهل :
ما أرجّي بالعيش بعد ندامي |
|
قد أراهم سقوا بكأس حلاق |
أي بكأس المنية ، لأنّ حلاق من أسماء المنية بمنزلة حذام وقطام.
ورواه بكأس خلاق بالخاء ، فقال : يعني بكأس تصيبهم من الموت ، وهذا أكثر وأشهر من أن يخيل على عالم بالعربية ، وأعجب بذهابه على أبي حاتم مع سعة معرفته ، ولكنه بشر وأني إنسان يحيط بالعلم كله ولا يخفى عليه شيء من جليّه ، فضلا عن غامضه وخفيّه (٣).
وقد قال الشاعر في هذا المعنى :
إن القرون التي عن حظّها غفلت |
|
حتى سقاها بكأس الموت ساقيها |
وقال السجستاني في البيت الذي فيه الموت : إنما هو الموت كأس ، قال : وقطع ألف الوصل لأنها في مبتدأ النصف الثاني ، وهذا يحتمل.
وقال : أنشدناه الأصمعي لبعض الخوارج ، وقال : ليس لأمية بن أبي الصلت ، وقال القاضي : وقد روت الرواة هذا الشعر لأمية بن أبي الصلت ، وأما المعنى الذي ذكره السجستاني من تجويز قطع ألف الوصل ، فقد جاء في الشعر كثيرا كقول الشاعر :
__________________
(١) البيت في تاج العروس بتحقيقنا (عبط) منسوبا لأمية بن أبي الصلت وهو في ديوانه ص ٤٢.
(٢) كذا بالأصل ود ، وفي الجليس الصالح : جسم صحيح.
(٣) بالأصل : «ودقه» وفي د : «ودقته» والمثبت عن الجليس الصالح الكافي.