وفي هذا المثل الذي ضربه مالك بن أسماء للحجاج تأدية (١) وتنبيه ، وقياس وتشبيه ، يعتبر به ذوو اللب (٢) حكمته في القلب.
ومما يضارع هذا المثل ما أتى به الحكماء عن ألسن البهائم : ما ذكر أنّ الأسد كان يلازمه ويحضر مجلسه ذئب وثعلب ، وأن الأسد وجد علة فتأخر عنه الثعلب أياما ففقده ، وسأل عنه فقال : ما فعل الثعلب فإنّني لم أره منذ أيام ومع ما عرض لي من المرض ، فانتهزها الذئب ليغري به الأسد ويفسد حاله عنده ، ويحمله على مكروهه ، فقال : أيها الملك ما هو إلّا أن وقف على علّتك حتى استبدّ بنفسه ومضى فيما يخصّه من كسبه (٣) ولهوه ، وبلغ الثعلب هذا فوافى الأسد ، فلما دخل عليه قال له : ما أخّرك عني مع علّتي وحاجتي إلى كونك بالقرب مني؟ قال : أيها الملك لما وقفت على العلّة العارضة لم يستقر بي قرار وجعلت أجول وأحوم (٤) إلى أن وقفت إلى ما يشفي الملك من مرضه ، فقال : قد علمت أنك لا تفارق نصيحتي ولا تخرج عن طاعتي ، فما الذي وقفت عليه مما أستشفي به؟ قال تتناول خصى ذئب ، فإنه يبرئك حين (٥) يستقر في جوفك ، فقال : أنا عامل على هذا ، وخرج الثعلب فقعد في دهليز الأسد ، ووافى الذئب فحين وقف بين يديه وثب عليه ، فالتهم خصيتيه ، فخرج والدم يسيل ويخرج على فخذيه ، فلما مرّ بالثعلب قال له : يا صاحب السراويل الأحمر ، إذا جالست الملوك ، فانظر كيف تذكر حاشيتهم عندهم.
وقد روينا في بعض مجالسنا هذه أنه قيل لبعض الحكماء : ممن تعلّمت العقل؟ قال ممن لا عقل له ، كنت أرى الجاهل يفعل الشيء فيضرّه فيجتنبه.
أنبأنا أبو طالب الحسين بن محمّد الزينبي أنا أبو القاسم عبيد الله بن أحمد بن عثمان الأزهري.
أنبأنا أبو الغنائم محمّد بن المهتدي ، وأبو منصور علي بن محمّد الأنباري ، وأبو محمّد بن الآبنوسي قالوا : أنا أبو محمّد الجوهري ، قالا : أنا أبو عمر بن حيّوية ، أنا أبو
__________________
(١) كذا ، وفي الجليس الصالح : تأديب.
(٢) الأصل : ذو اللب ، والمثبت عن الجليس الصالح.
(٣) تقرأ بالأصل : كسر ، والمثبت عن الجليس الصالح.
(٤) كذا ، وفي الجليس الصالح : وأجوب الآفاق.
(٥) بالأصل : حتى ، والمثبت عن الجليس الصالح.