وتقدّم قوله (وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ) قال الواحدي : أعيد هذا المعنى لأنّ الأوّل مذكور على جهة التقريع وهذا مذكور على جهة الفرق بين من تجوز له العبادة وبين من لا تجوز كأنه قيل الإله المعبود يجب أن يكون يتولّى الصالحين وهذه الأصنام ليست كذلك فلا تكون صالحة للإلهية انتهى ، ومعنى قوله على جهة التقريع أن قوله : و (لا يَسْتَطِيعُونَ) معطوف على قوله (ما لا يَخْلُقُ) وهو في حيّز الإنكار والتقريع والتوبيخ على إشراكهم من لا يمكن أن يوجد شيئا ولا ينشئه ولا ينصر نفسه فضلا عن غيره وهذه الآية كما ذكر جاءت على جهة الفرق ومندرجة تحت الأمر بقوله : (قُلِ ادْعُوا) فهذه الجمل مأمور بقولها وخطاب المشركين بها إذ كانوا يخوفون الرسول عليهالسلام بآلهتهم فأمر أن يخاطبهم بهذه الجمل تحقيرا لهم ولأصنامهم وإخبارا لهم بأنّ وليه هو الله فلا مبالاة بهم ولا بأصنامهم.
(وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَسْمَعُوا وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ). تناسق الضمائر يقتضي أن الضمير المنصوب في (وَإِنْ تَدْعُوهُمْ) هو للأصنام ونفي عنهم السماع لأنها جماد لا تحسّ وأثبت لهم النظر على سبيل المجاز بمعنى أنهم صوّروهم ذوي أعين فهم يشبهون من ينظر ومن قلب حدقته للنظر ثم نفى عنهم الإبصار كقوله (يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً) (١) ومعنى إليك أيها الداعي وأفرد لأنه اقتطع قوله : (وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ) من جملة الشرط واستأنف الإخبار عنهم بحالهم السيّء في انتفاء الإبصار كانتفاء السماع ، وقيل المعنى في قوله (يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ) أي يحاذونك من قولهم المنازل تتناظر إذا كانت متحاذية يقابل بعضها بعضا وذهب بعض المعتزلة إلى الاحتجاج بهذه الاية على أن العباد ينظرون إلى ربهم ولا يرونه ولا حجة لهم في الآية لأنّ النظر في الأصنام مجاز محض وجعل الضمير للأصنام اختاره الطبري قال : ومعنى الآية تبيين جمودها وصغر شأنها ، قال : وإنما تكرر القول في هذا وترددت الآيات فيه لأنّ أمر الأصنام وتعظيمها كان متمكنا من نفوس العرب في ذلك الزمن ومستوليا على عقولها لطفا من الله تعالى بهم ، وقال مجاهد والحسن والسدّي : الضمير المنصوب في (تَدْعُوهُمْ) يعود على الكفار ووصفهم بأنهم لا يسمعون ولا يبصرون إذ لم يتحصّل لهم عن الاستماع والنظر فائدة ولا حصلوا منه بطائل وهذا تأويل حسن ويكون إثبات النظر حقيقة لا مجازا ، ويحسّن هذا التأويل الآية بعد هذه إذ في آخرها (وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ) أي
__________________
(١) سورة مريم : ١٩ / ٤٢.