الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا) (١) ومعناه لن يتقبل منكم أنفقتم طوعا أو كرها. ونحوه قوله تعالى : (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ) (٢) وقوله : أسيئي بنا أو أحسنى لا ملومة. أي لن يغفر الله لهم استغفرت لهم أو لا تستغفر لهم ، ولا نلومك أسأت إلينا أم أحسنت انتهى. وعن بعضهم غير هذا بأن معناه الجزاء والشرط أي : إن تنفقوا طوعا أو كرها لم يتقبل منكم ، وذكر الآية وبيت كثير على هذا المعنى. قال ابن عطية : أنفقوا أمر في ضمنه جزاء ، وهذا مستمر في كل أمر معه جزاء ، والتقدير : إن تنفقوا لن نتقبل منكم. وأما إذا عرى الأمر من الجواب فليس يصحبه تضمن الشرط انتهى. ويقدح في هذا التخريج أنّ الأمر إذا كان فيه معنى الشرط كان الجواب كجواب الشرط ، فعلى هذا يقتضي أن يكون التركيب فلن يتقبل بالفاء ، لأنّ لن لا تقع جوابا للشرط إلا بالفاء ، فكذلك ما ضمن معناه. ألا ترى جزمه الجواب في مثل اقصد زيدا يحسن إليك ، وانتصب طوعا أو كرها على الحال ، والطوع أن يكون من غير إلزام الله ورسوله ، والكره إلزام ذلك. وسمّى الإلزام كراها لأنهم منافقون ، فصار الإلزام شاقا عليهم كالإكراه. أو يكون من غير إلزام من رؤسائكم ، أو إلزام منهم لأنهم كانوا يحملونهم على الإنفاق لما يرون فيه من المصلحة.
والجمهور على أنّ هذه نزلت بسبب الجد بن قيس حين استأذن في القعود وقال : هذا مالي أعينك به. وقال ابن عباس : فيكون من إطلاق الجمع على الواحد أوله ولمن فعل فعله. فقد نقل البيهقي وغيره من الأئمة أنهم كانوا ثلاثة وثمانين رجلا ، استثنى منهم الثلاثة الذين خلفوا وأهلك الباقون ، ونفى التقبل إما كون الرسول لم يقبله منهم ورده ، وإما كون الله لا يثيب عليه ، وعلل انتفاء التقبل بالفسق. قال الزمخشري : وهو التمرد والعتو ، والأولى أن يحمل على الكفر. قال أبو عبد الله الرازي : هذه إشارة إلى أنّ عدم القبول معلل بكونهم فاسقين ، فدلّ على أن الفسق يؤثر في إزالة هذا المعنى. وأكد الجبائي ذلك بدليله المشهور في هذه المسألة ، وهو أن الفسق يوجب الذم والعقاب الدائمين ، والطاعة توجب المدح والثواب الدائمين ، والجمع بينهما محال. فكان الجمع بين استحقاقهما محالا ، وقد أزال الله هذه الشبهة بقوله : (وَما مَنَعَهُمْ) (٣) الآية وأن تصريح هذا اللفظ لا يؤثر في القبول إلا الكفر. ودل ذلك على أن مطلق الفسق لا يحبط الطاعات ، فنفى تعالى أنّ عدم القبول
__________________
(١) سورة مريم : ١٩ / ٧٥.
(٢) سورة التوبة : ٩ / ٨٠.
(٣) سورة التوبة : ٩ / ٥٤.