الزلال ، الصافي العذب ، الخفيف الوزن ، السريع الامتزاج بالحر والبرد ، البعيد عن الينبوع ، المنحرف من الغرب ، إلى الشرق ، الشديد الجرية ، الدائم الإقبال (١) للمطالع ، فلا يشوبه طعم كريه ، ولا رائحة منكرة ، ولا غالب البياض ، ولا ناصع الخضرة ، ولا أورق القتمة (٢) ، الطيب (٣) التربة. وأن يختار لهم من البلدان أطيبها تربة ، وأسطعها (٤) رائحة ، وأصفاها هواء ، وأنقاها جوا ، وأزهرها (٥) كواكبا وأوضحها ضياء ، التي لا عيون الكبريت بقربها ، وإذا احتفر فيها آبار لم يحتج إلى طمها (٦) ، القريبة اللينة المعتدلة الحر والبرد في الأزمنة الأربعة ، لا قريبة من الفلك ولا بعيدة منه ، لا مرتفعة صعودا ولا منخفضة هبوطا ، ولا متدانية ولا متباينة من البحار ، موازية لوسط الأرض ، وحيث يقل فيها هبوب الرياح العواصف ، جازها (٧) نهر عظيم. فوجدت أيها الملك أكثر هذه الأوصاف التي يفوتها القليل منها في «إيرانشهر» وهو أصبهان.
ووجدنا أخصب بقاع المملكة (المملك) (٨) عشرة مواضع :
__________________
(١) عند أبي نعيم في «أخبار أصبهان» ١ / ٣٥ : «الاقتبال».
(٢) في ن ـ أ ـ ه : (القيمة) ، والصواب ما أثبته من الأصل ، وكذا في المصدر السابق. والقتمة : «السواد». قال ابن الفارس : القتم ، أصل صحيح يدل على غبرة وسواد ، وكل لون يعلوه سواد فهو أقتم.
انظر «معجم مقاييس اللغة» ٥ / ٥٨. والأورق : الأسمر ، والورقة : السمرة «النهاية» لابن الأثير ٥ / ١٧٥.
(٣) في «أخبار أصبهان» لأبي نعيم : الطيبة ، هذا أنسب ١ / ٣٥.
(٤) يقال : سطع الغبار وسطعت الرائحة ، إذا ارتفعت. والسطع ارتفاع صوت الشيء إذا ضرب عليه شيئا. «معجم مقاييس اللغة» ٣ / ٧٠ لابن فارس.
(٥) أي أحسنها وأصفاها. قال ابن الفارس في المصدر السابق ٣ / ٣١ : الزاء والهاء والراء ، أصل واحد يدل على حسن وضياء وصفاء.
(٦) أي إلى الكبس والتطوية ، وقد تقدمت هذه الكلمة وشرحها قريبا.
(٧) في أ ـ ه جارها بالراء بدل الزاي المعجمة ، وفي الأصل مهمل ، وما أثبته من «أخبار أصبهان» ١ / ٣٥.
(٨) هذه الكلمة بين الحاجزين غير موجودة في أ ـ ه.