ابن المتشمّس قال : أفلنا مع أبي موسى الأشعري من أصبهان حين افتتحناها ، فنزلنا منزلا ، فإذا بعقيلة جارية أم ولد أبي موسى ، فقال : ألا رجل يقوم فينزل كنته (١) ، فقمت فأنزلتها ، ورجعت إلى مجلسي ، فقال الأشعري :
ألا أحدثكم (٢) حديثا حدثنا محمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ؟ قلنا (٣) : بلى ـ يرحمك الله ـ فقال : قال رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : إن بين يدي الساعة الهرج ، قلنا : وما الهرج؟ قال : القتل ، قلنا للأشعري : أكثر مما نقتل. فوالله إنّا لنقتل (٤) في السنة أكثر من مائة ألف من المشركين. [فقال : إنه ليس بقتلكم المشركين](٥) ، ولكنه قتل يكون بينكم معشر الإسلام ، حتى يقتل الرجل جاره وابن عمه ، ويقتل أخاه ، قال : فأبلسنا (٦) ، حتى ما منا أحد يبدي عن واضحة (٧). قال : وجعل بعضنا ينظر في وجوه بعض من المودة التي بيننا يومئذ ، إن الرجل ليفارق أخاه فيطول عليه ليلة حتى يلقاه ، لو لا أنه يستحي من الناس للثمه (٨). قال : وعلمنا أن صاحبنا لم يكذبنا قلنا : وفينا كتاب الله؟ قال : نعم ، وفيكم كتاب الله ، قلنا : واحدة نسألك عنها؟ أخبرنا عن عقولنا
__________________
ـ والحسن : هو ابن أبي الحسن البصري. تقدم في ح ٧ ، وهو ثقة.
وأسيد ـ بفتح الهمزة ـ ابن المتشمّس ـ بضم الميم ، وفتح المثناة والمعجمة ، وتشديد الميم المكسورة بعدها مهملة ـ ترجم له المؤلف ، وسيأتي برقم ت ١٨ ، وهو ثقة.
(١) الكنّة : بالفتح ـ امرأة الابن أو الأخ ، والجمع كنائن. انظر «لسان العرب» ١٣ / ٣٦٢.
(٢) في الأصل : (أحدكم) ، والتصويب من أ ـ ه.
(٣) في أ ـ ه : (فقلنا).
(٤) في أ ـ ه : (بالتقتيل) ، والصواب : ما أثبته من الأصل.
(٥) بين القوسين من الأصل.
(٦) الإبلاس : الحيرة ، والمبلس : الساكت من الحزن أو الخوف. انظر «النهاية» ١ / ١٥٢ لابن الأثير.
(٧) الوضح : البياض من كل شيء. وورد في الحديث ، عن ابن عمر : «صوموا من الوضح إلى الوضح ـ يعني من الضوء إلى الضوء ـ منه» أمره بصوم الأواضح ، أي الأيام البيض ، جمع واضحة ، والمقصود هنا أنهم امتنعوا عن الكلام بإطباق شفاههم واجمعين.
انظر المصدر السابق ٥ / ١٩٥.
(٨) واللثم : القبلة ، لثمها ولثمها لثما ، قبلها. انظر «لسان العرب» ١٢ / ٥٣٤.