فقال : والله هيه عن قريب أضيق ، اذا حضرت القروم تنفخ شقّا شقا ، وخنس كل حادل يحك عجب الذنب فكيف بكم اذا صرتم كدوحة القاع أحاط بها الراعي بغنم المرعى فهي تحصد هشيم أغصانها ، فعندها تصبح تلك الأعلام سهلة محجتها ، لحافر العير وظلف المعزى ويتواضع كلّ شموخ عالي الذروة صعب المرتقى فاذا كان ذلك قرع النبع بالنبع وأرثت الزناد بجناتها وساد ذليل القوم عشيرته ، واتبع المتبوع تابعه ، واضطربت أمواج العرب. واصطكت جنادل قريش ، فثم تنكر قريش أمرها.
فقالت قريش : يا أبا نضلة ان سحابك ليرعد بغرق العشيرة فأبن القول نعلمه ، واشرح الأمر نفهمه.
قال : انّه لأمر عجيب وكاين عمّا قريب يعزّ تابعه ويذلّ دافعه ، فاذا أنار بدره ، وشدّ أزره ، وقاتل فظفر ، وغزا فنصر ، فليست مكّة لقريش ، ولتلقيه رجالات قريش تمنعها أواصر الألفة من اتباعه ، كالابل حول قليب السقي ، والله والله ليكونن ما أقول ولو أدركته اذا والله حاميت عنه محاماة الأسد عن عرينه ، وضاربت دونه مضاربة الجمل الهايج عن النوق الضبع ، فثم ترزأ الحاضن بيضها وتثكل المفردة وحيدها ويبكم خطيب العشيرة ، ويقدم كسير القطيع ، والله ليكونن وليظهرن وان رغمت منه أنف رجال ، حين يهتف بي فلا أجيب.
قال : وخرج فمات بغزّة. فرآه أبوه يوما في الحجر مكحولا مدهونا قد كسي حلّة من حلل الجنّة فبقى متحيرا لا يدري من فعل به ذلك. فأخذ بيده وانطلق به الى كهنة قريش فأخبرهم بذلك فقالوا اعلم يا أبا نضلة ان إله السماء قد أذن لهذا الغلام بالتزويج.
قال : فزوّجه (قبلة بنت عمرو بن عائشة) فولدت له الحارث فماتت ، فزوّجه بعدها هندا بنت عمرو ، وحضرت هاشم الوفاة فدعا بعبد المطلب وقال له : يا بني اجمع إليّ بني النضر كلّها عبد شمسها ومخزومها وفهرها ولؤيها وغالبها وهاشمها.
فجمعهم عبد المطلب وهو يومئذ غلام ابن خمس وعشرين سنة أطول قريش باعا وأشدّهم قوّة تفوح منه روايح المسك ويسطع من دائرة جبينه النور.
قال : فلما أبصر هاشم ذلك النور قال : معاشر قريش ، أنتم مح أولاد اسماعيل