طريقنا ؛ منها : انا نزلنا منزلا لا ماء فيه فاشفينا ودوابنا وجمالنا من العطش على التلف ، وكان معنا جماعة وقوم قد تبعونا من أهل المدينة ، فقال أبو الحسن عليه السّلام : كأنّي أعرف على أميال موضع ماء.
فقلنا له : ان نشطت وتفضلت عدلت بنا إليه وكنّا معك.
فعدل بنا عن الطريق فسرنا نحو ستة أميال فأشرفنا على واد كأنّه زهو الرياض فيه عيون وأشجار وزروع وليس فيها زارع ولا فلّاح ولا أحد من الناس فنزلنا وشربنا وسقينا دوابنا وأقمنا الى بعد العصر ثم تزوّدنا وارتوينا وما معنا من القرب ورحنا راحلين. فلم نبعد ان عطشت وكان لي مع بعض غلماني كوز فضة يشدّه في منطقته وقد استسقيته فلجلج لسانه بالكلام ونظرت فاذا هو قد أنسي الكوز في المنزل الذي كنّا فيه فرجعت أضرب بالسوط على فرس لي جواد سريع وأغذ السير حتى أشرفت على الوادي فرأيته جدبا يابسا قاعا محلا لا ماء فيه ولا زرع ولا خضرة ورأيت موضع رحالنا وروث دوابنا وبعر الجمال ومناخاتهم والكوز موضوع في موضعه الذي تركه الغلام ، فأخذته وانصرفت ، ولم أعرفه شيئا من الخبر.
فلما قربت من القطر والعسكر وجدته عليه السّلام واقفا ينتظر فتبسّم (صلّى الله عليه) ولم يقل لي شيئا ولا قلت له سوى ما سأل من وجود الكوز فأعلمته اني وجدته.
قال يحيى : وخرج في يوم صائف آخر ونحن في ضحو وشمس حامية تحرق فركب من مضربه وعليه ممطر ، وذنب دابته معقود وتحته لبد طويل فجعل كلّ من في العسكر وأهل القافلة يضحكون تعجبا ويقولون : هذا الحجازي ليس يعرف الري ، فما سرنا أميالا حتى ارتفعت سحابة من ناحية القبلة وأظلمت وأظلتنا بسرعة واتى من المطر الهاطل كأفواه القرب ، فكدنا أن نتلف وغرقنا حتى جرى الماء من ثيابنا الى أبداننا وامتلأت خفافنا ، وكان أسرع وأعجل من أن يمكن أن نحط ونخرج اللبابيد فصرنا شهرة وما زال عليه السّلام يتبسّم تبسما ظاهرا تعجبا من أمرنا.
قال يحيى : وصارت إليه في بعض المنازل امرأة معها ابن لها أرمد العين ولم تزل تستذلّ وتقول : معكم رجل علوي دلّوني عليه حتى يرقي عين ابني هذا.