فدللناها عليه ففتح عين الصبي حتى رأيتها ولم أشك انها ذاهبة ، فوضع يده عليها لحظة يحرك شفتيه ثم نحاها فاذا عين الغلام مفتوحة صحيحة ما بها علّة.
وروى الحميري قال : حدّثني أحمد بن أبي عبد الله البرقي عن الفتح بن يزيد الجرجاني قال : ضمني وأبا الحسن عليه السّلام الطريق لما قدم به المدينة فسمعته في بعض الطريق يقول : من اتقى الله يتقى ، ومن أطاع الله يطاع.
فلم أزل أدلف حتى قربت منه ودنوت فسلّمت عليه وردّ عليّ السلام فأوّل ما ابتدأني ان قال لي : يا فتح من أطاع الخالق لم يبال بسخط المخلوقين ، ومن أسخط الخالق فليوقن ان يحلّ به سخط المخلوقين. يا فتح ان الله جل جلاله لا يوصف إلّا بما وصف به نفسه ، فانى يوصف الذي يعجز الحواس أن تدركه ، والأوهام ان تناله ، والخطرات أن تحدّه ، والأبصار أن تحيط به ، جلّ عمّا يصفه الواصفون ، وتعالى عمّا ينعته الناعتون ، نأى في قربه وقرب في نأيه ، فهو في نأيه قريب ، وفي قربه بعيد ، كيّف الكيف فلا يقال كيف ، وأيّن الأين فلا يقال أين ، إذ هو منقطع الكيفية والأينية ، الواحد الأحد جل جلاله بل كيف يوصف بكنهه محمّد صلّى الله عليه وآله وقد قرن الخليل اسمه باسمه وأشركه في طاعته وأوجب لمن أطاعه جزاء طاعته ، فقال (وَما نَقَمُوا) منه (إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ) وقال تبارك اسمه ـ يحكى قول من ترك طاعته : (يا لَيْتَنا أَطَعْنَا اللهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا) أم كيف يوصف من قرن الجليل طاعته بطاعة رسول الله صلّى الله عليه وآله حيث يقول : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ). يا فتح كما لا يوصف الجليل جلّ جلاله ولا يوصف الحجّة فكذلك لا يوصف المؤمن المسلّم لأمرنا فنبينا صلّى الله عليه وآله أفضل الأنبياء ووصينا صلّى الله عليه أفضل الأوصياء.
ثم قال لي ـ بعد كلام ـ : فأورد الأمر إليهم وسلّم لهم.
ثم قال لي : إن شئت.
فانصرفت منه.
فلما كان في الغد تلطفت في الوصول إليه فسلّمت فردّ السلام فقلت : يا ابن رسول الله تأذن لي في كلمة اختلجت في صدري ليلتي الماضية؟