فقال لي : سل واصخ الى جوابها سمعك ، فان العالم والمتعلم شريكان في الرشد ، مأموران بالنصيحة ، فاما الذي اختلج في صدرك فان يشأ العالم انبأك الله ان الله لم يظهر على غيبه أحدا إلّا من ارتضى من رسول ، وكلّ ما عند الرسول فهو عند العالم ، وكلّ ما اطلع الرسول عليه فقد اطّلع أوصياؤه عليه. يا فتح عسى الشيطان أراد اللبس عليك فأوهمك في بعض ما أوردت عليك وأشكك في بعض ما أنبأتك ؛ حتى أراد ازالتك عن طريق الله وصراطه المستقيم ، فقلت متى أيقنت انّهم هكذا : فهم أرباب.
معاذ الله ، انّهم مخلوقون مربوبون مطيعون داخرون راغمون. فاذا جاءك الشيطان بمثل ما جاءك به فاقمعه بمثل ما نبأتك به.
قال فتح : فقلت له : جعلني الله فداك فرّجت عني وكشفت ما لبس الملعون عليّ فقد كان أوقع في خلدي انّكم أرباب.
قال : فسجد عليه السّلام فسمعته يقول في سجوده : راغما لك يا خالقي داخرا خاضعا.
ثم قال : يا فتح كدت أن تهلك وما ضر عيسى ان هلك من هلك. إذا شئت رحمك الله.
قال : فخرجت وأنا مسرور بما كشف الله عني من اللبس.
فلما كان في المنزل الآخر دخلت عليه وهو متكئ وبين يديه حنطة مقلوة يعبث بها وقد كان أوقع الشيطان (لعنه الله) في خلدي انّه لا ينبغي أن يأكلوا ولا يشربوا.
فقال : اجلس يا فتح فان لنا بالرسل اسوة. كانوا يأكلون ويشربون ويمشون في الأسواق ، وكلّ جسم متغذ إلّا خالق الأجسام الواحد الأحد منشئ الأشياء ومجسّم الأجسام وهو السميع العليم .. تبارك الله عمّا يقول الظالمون وعلا علوا كبيرا.
ثم قال : اذا شئت رحمك الله.
وقدم به عليه السّلام بغداد وخرج اسحاق بن إبراهيم وجملة القواد فتلقوه فحدث أبو عبد الله محمد بن أحمد الحلبي القاضي قال : حدّثني الخضر بن محمد البزاز وكان شيخا مستورا ثقة يقبله القضاة والناس قال : رأيت في المنام كأنّي على شاطئ دجلة بمدينة السلام في رحبة الجسر والناس مجتمعون .. خلق كثير يزحم بعضهم بعضا وهم يقولون : قد أقبل بيت الله الحرام.