وسخّرت له ، فحمل فيها كما أمره الله (مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ)(١) ، وحمل معه جسد آدم ، فجعله حاجزا بين النساء والرجال ، فركبوا فيها لعشر ليال مضين من رجب ، وخرجوا منها يوم عاشوراء من المحرم ، فلذلك صام من صام يوم عاشوراء ، وخرج الماء مثل ذلك نصفين ، فذلك قول الله تعالى : (فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ)(٢) يقول : منصبّ (وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً)(٣) يقول : شققنا الأرض ، فالتقى الماء على أمر قد قدر ، فصار الماء نصفين : نصف من السماء ، ونصف من الأرض ، وارتفع الماء على أطول جبل في الأرض خمسة عشر ذراعا ، فسارت بهم السفينة ، فطافت بهم الأرض كلها في ستة أشهر لا تستقرّ على شيء حتى أتت الحرم ، فلم تدخله ، ودارت بالحرم أسبوعا ، ورفع البيت الذي بناه آدم رفع من الغرق ، وهو البيت المعمور ، والحجر الأسود على أبي قبيس (٤) ، فلما دارت بالحرم ذهبت في الأرض تسير بهم حتى انتهت إلى الجودي (٥) ، وهو جبل بالحصنين (٦) من أرض الموصل ، فاستقرت [على الجودي](٧) بعد ستة أشهر لتمام السنة ، فقيل بعد الستة أشهر ، بعدا للقوم الظالمين ، ولما استوت على الجودي قيل : (يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ ، وَيا سَماءُ أَقْلِعِي)(٨) ، يقول : احبسي ماءك ، (وَغِيضَ الْماءُ) نشفته الأرض ، فصار ما نزل من السماء هذه البحور التي ترون في الأرض ، قال : فآخر من بقي في الأرض من الطوفان ماء بحسمى (٩) بقي في الأرض أربعين سنة بعد الطوفان ، ثم ذهب ، فهبط نوح إلى قرية فبنى كل رجل منهم بيتا ، فسميت سوق الثمانين ، فغرق بنو قابيل كلهم ، وما بين نوح إلى آدم من الآباء كانوا على الإسلام ، قال : ودعا نوح على الأسد أن تلقى عليه الحمى ، وللحمامة بالأنس ، والغراب بشقاء (١٠) المعيشة.
قال (١١) : وتزوج نوح امرأة من بني قابيل ، فولدت له غلاما فسمّاه يوناطن فولد بمدينة
__________________
(١) سورة هود ، الآية : ٤٠.
(٢) سورة القمر ، الآية : ١١.
(٣) سورة القمر ، الآية : ١٢.
(٤) جبل أبي قبيس ، جبل مشرف على مكة (معجم البلدان).
(٥) الجودي : راجع ما جاء فيه في معجم البلدان.
(٦) الحصنان ثنية حصن ، موضع ، راجع ما جاء فيه في معجم البلدان.
(٧) زيادة عن ابن سعد.
(٨) سورة هود ، الآية : ٤٤.
(٩) حسمى أرض ببادية الشام غليظة ، وماؤها كذلك (معجم البلدان).
(١٠) الأصل : بشق ، والمثبت عن «ز» ، وم ، وابن سعد.
(١١) طبقات ابن سعد ١ / ٤٢.