لما نزل خالد بن الوليد مرج الصّفّر (١) قال واثلة : ركبت فرسي ثم أقبلت حتى انتهيت إلى باب الجابية ، ـ قال أبو عبيد : وهو باب من أبواب دمشق ـ فخرجت خيل عظيمة ، فأمهلتها حتى إذا كانت بيني وبين دير ابن أبي أوفى حملت عليهم من خلفهم ، وكبّرت (٢) ، فظنوا أنهم قد أحيط بمدينتهم ، فانصرفوا راجعين ، وشددت على عظيمهم ، فدعسته بالرمح ، فوقع وضربت بيدي إلى برذونه ، فأخذت بلجامه ، فركضت ، فلما رأوني وحدي أقبلوا عليّ ، فالتفتّ فإذا رجل قد بدر (٣) بين أيديهم ، فرميت بالعنان على قربوس (٤) السرج ، ثم عطفت عليه فدعسته بالرمح فقتلته ، ثم عدت إلى البرذون ، فاتبعوني ، ثم كذلك حتى واليت بين ثلاثة ، فلمّا رأوا ما أصنع انطلقوا راجعين ، وأقبلت حتى أتيت الصفر ، ثم أتيت خالد بن الوليد فذكرت له ما صنعت وعنده عظيم الروم قد كان خرج إليه يلتمس الأمان لأهل المدينة ، فقال له خالد : هل علمت أنّ الله قد قتل فلانا ـ يعني ـ خليفته؟ قال بالرومية : مثانوس ، يعني : معاذ الله ، فأقبل واثلة بالبرذون ، فلمّا نظر إليه عظيم الروم عرفه ، فقال : أتبيع السرج؟ قال : نعم ، قال : لك عشرة آلاف ، فقال خالد لواثلة : بعه ، فقال واثلة لخالد : بعه أنت أيها الأمير ، فباعه ، وسلّم لي سلبه كلّه ، ولم يأخذ منه شيئا (٥).
قرأت على أبي محمّد بن حمزة ، عن عبد العزيز بن أحمد ، أنا أبو نصر محمّد بن أحمد (٦) بن هارون ، وأبو القاسم عبد الرّحمن بن الحسين بن الحسن ، قالا : أخبرنا علي بن يعقوب بن إبراهيم ، أنا أبو عبد الملك البسري ، نا محمّد بن عائذ قال : قال الوليد : فأخبرني سعيد بن عبد العزيز وغيره أن وثلة قال :
وقفت تلك الليلة في ظلمة قنطرة قينية (٧) في ليلة مظلمة مقمرة ، لتخفى على من يخرج من باب الجابية ، فإذا ناس خراون (٨) قلت : قبيح مني أن أحمل على رجل على هذه الحال ، قال : فمكثت هنيهة فسمعت صرير فتح باب الجابية ، فإذا بخيل عظيمة قد خرجت ، فأمهلتها
__________________
(١) مرج الصفر : موضع بين دمشق والجولان ، صحراء (راجع معجم البلدان).
(٢) كذا بالأصل وم و «ز» ، وفي المختصر : «وكررت» وكانت في أصله : وكرت.
(٣) بدر إلى الشيء : أسرع إليه.
(٤) القربوس : الحنو ، وهو عود معوج كالقوس في مقدمة السرج.
(٥) أقحم قبلها بالأصل وم : إبراهيم.
(٦) الخبر جاء مختصرا في سير أعلام النبلاء ٣ / ٣٨٦ ـ ٣٨٧.
(٧) بالأصل وم : فنظرت ، والمثبت عن «ز».
(٨) كذا بالأصل وم ، وفي «ز» : حراون.