ذكر أبو بكر البلاذري حدّثني عباس بن يزيد البصري ، عن عبد العزيز بن عبد الحميد ، عن عوانة قال : وفد الوارع بن دوالة الكلبيّ على الحجّاج بن يوسف ، وكانت عينه أصيبت يوم المرج ، فقال له الحجّاج : ما الشجاعة؟ قال : غرائز يجعلها الله في الناس ، قد نجد الرجل شجاعا لا رأي له ، فتلك الشجاعة الضارة لصاحبها ، لأنها تقدم به في حال الإقدام ، وتحجم به في وقت لا إحجام ، فيهلك ويهلك ، وقد تكون الشجاعة نافعة لصاحبها إذا أقدمت به في حين الإقدام وأحجمت به في حين الإحجام ، والله أصلح الله الأمير ، لقد رأيتني يوم مرج راهط وإنّ همام بن قبيصة النّميري لواقف وقد انفضّ عنه أصحابه وإنه من شجاعته لواقف لا يدري ما يصنع ، ولو فرّ لكان الفرار يمكنه ، ولكن حمى أنفا (١) فحمل علي وحملت عليه ، فبادرته بضربة على عاتقه ، فأرديته (٢) عن دابته ، ثم نزلت إليه لأحتز رأسه فتفل في وجهي ثم قال (٣) :
ألا يا ابن ذات النوف(٤)أجهز على امرئ (٥) |
|
يرى الموت خيرا من فرار وأكرما |
ولا تتركني بالخساسة (٦) إنني |
|
أكرّ (٧) إذا ما النكس مثلك أحجما |
فأخذت رأسه فأتيت به مروان ، وقلت هذا رأس همام (٨) بن قبيصة قال : أأنت قتلته؟ قلت : نعم ، قال : فهل أعانك عليه أحد؟ قلت : نعم ، الله وفراغ مدته ، فقال : هو والله كما قال الشاعر :
وفارس هيجا لا يقام لبأسه |
|
له صولة تزورّ عنها الفوارس |
وشدّة ليث يرهب الأسد وقعها |
|
وتذعر منها العاويات العساعس (٩) |
جرىء على الإقدام ليس بناكل |
|
ولا يزدهيه الأحوسي (١٠) المقامس (١١) |
__________________
(١) أي أخذته الحمية ، والأنفة.
(٢) كذا بالأصل وم و «ز» : فأرديته ، وفي المختصر : فأذريته.
(٣) البيتان في الكامل لابن الأثير ٢ / ٦١٨ (حوادث سنة ٦٤).
(٤) في م : النوق ، وفي «ز» : البوق ، وفي الكامل فكالأصل.
(٥) ابن الأثير : فتى.
(٦) ابن الأثير : بالحشاشة.
(٧) ابن الأثير : «صبور» بدلا من «أكر».
(٨) سماه ابن الأثير : هانئ بن قبيصة النميري.
(٩) العساعس ، يقال عسعس الذئب إذا طاف بالليل. والعسعس والعسعاس الذئب ، أو هو الذئب الطلوب للصيد بالليل (تاج العروس).
(١٠) الأحوسي : الجريء ، والذئب ، والشجاع عند القتال.
(١١) المقامس : الذي يختفي مرة ويظهر أخرى.