تنصّرت الأشراف من عار لطمة |
|
وما كان فيها لو صبرت لها ضرر |
تكنّفني فيها لجاج ونخوة |
|
وبعت بها العين الصحيحة بالعور |
فيا ليت أمي لم تلدني وليتني |
|
رجعت إلى القول الذي قاله عمر (١) |
ويا ليتني أرعى المخاض بقفرة |
|
وكنت أسيرا في ربيعة أو مضر |
ويا ليت لي بالشام أدنى معيشة |
|
أجالس قومي ذاهب السمع والبصر |
أدين بما دانوا به من شريعة |
|
وقد يصبر العود الكبير على الدّبر |
قال : وانصرف الجواري وجعل يده على وجهه يبكي حتى نظرت إلى دموعه تحول على لحيته كأنها فصيص اللؤلؤ. قال : وبكيت معه ، ثم نشف دموعه بكمه ومسح وجهه ، ثم قال : يا جارية هاتي ، فأتت بخمس مائة دينار هرقلية ، قال : ادفع به إلى حسان بن ثابت وأقرئه مني السلام ، ثم قال : يا جارية هاتي ، فأتته بخمس مائة دينار هرقلية قال : خذها صلة لك ، فأبيت عليه ، قلت : لا أقبل صلة رجل ارتدّ عن الإسلام وأمير المؤمنين عليه ساخط ، فحرص بي ، فأبيت عليه (٢) ، ثم ودع وقال : أقرىء عمر بن الخطاب مني والمسلمين السلام ، ثم خرجت من عنده فأتيت عمر ، فقال : هيه ما يصنع هرقل؟ فخبرته ، ثم قال : هل لقيت جبلة ابن أيّهم الغسّاني؟ قلت : نعم قال : وتنصر؟ قلت : نعم. قال : أو رأيته يشرب الخمر؟ قلت : نعم ، قال : أبعده الله ، تعجل فانية بباقية فما ربحت تجارته ، فما الذي سرّح به معك؟ قلت : وجّه إلى حسان بن ثابت خمس مائة دينار ، واقتصصت عليه القصّة من أولها إلى آخرها. قال : هاتها ، فدفعتها إليه ، فقال : يا غلام ادع لي حسان بن ثابت ، فدعي ، فلما دخل عليه وكان ضريرا ومعه قائده ، قال : السلام عليك يا أمير المؤمنين إني لأجد روائح آل جفنة عندك. قال : نعم ، قد أتاك الله من جبلة بمعونة ، ونزع لك منه على رغم أنفه ، قال : فأخذها وولّى وهو يقول (٣) :
إنّ ابن جفنة من بقية معشر |
|
لم يغذهم أباؤهم باللّوم (٤) |
لم ينسني بالشام إذ هو ربّها |
|
لا (٥) لا ولا متنصّرا بالروم |
__________________
(١) الأغاني : قال لي عمر.
(٢) زيد في البداية والنهاية : فيقال إنه أضافها إلى التي لحسان ، فبعث بألف دينار هرقلية.
(٣) الأبيات في ديوانه ص ٢٣٤ والأغاني ١٥ / ١٦٧ والبداية والنهاية ٨ / ٧٣.
(٤) اللوم : مسهل اللؤم.
(٥) الديوان : كلا.