أمير المؤمنين ، فقال : لا أعود يا أمير المؤمنين. قال له : النجاء. فلما أدبر قال : يا حطيئة ، كأني بك وأنت عند فتى من فتيان قريش ، قد بسط لك نمرقة (١) وكسر لك أخرى وأنت تغنيه بأعراض المسلمين! قال أسلم (٢) : فدخلت على عبيد الله بن عمر بعد أن توفي عمر وعنده الحطيئة ، وقد بسط له نمرقة وكسر له أخرى وهو يغنيه. فقلت : يا حطيئة ، أما تذكر ما قاله عمر؟ قال : فارتاع لها وقال : رحم الله ذلك المرء ، لو كان حيا ما فعلنا هذا. فقال عبيد الله : وما قال؟ قلت : قال : كذا وكذا. فكنت أنت ذلك الفتى.
ولما حضرت الحطيئة الوفاة قيل له : أوص يا أبا مليكة ، قال : نعم ، أخبروا الشّمّاخ أنه أشعر غطفان (٣). قالوا : فأوص في مالك ، قال : نعم ، ما لي للذكور دون الإناث (٤). قالوا : فإن الله عزوجل لا يقول ذلك. فقال : ما أدري ، أعوّاد أنتم أم خصماء؟ قالوا : فأوص للمساكين. قال : أوصيهم بإلحاف المسألة. قالوا : فأعتق غلامك يسارا. قال : اشهدوا أنه مملوك ما بقي. قالوا : فما توصينا بشيء؟ قال : بلى ، احملوني على حمار ، فإنه لم يمت عليه كريم قط ، فلعلي لا أموت (٥). قالوا : يا أبا مليكة ، أي العرب أشعر؟ قال : هذا الجحير إذا طمع في خير ، وأشار إلى فيه ولسانه ، ثم استعبر وبكى ، فقالوا : ما يبكيك؟! أفزعا من الموت؟ سوأة لك؟ قال : لا ، ولكني أبكي للشعر من راوية السوء. ثم لم يلبث أن مات ، فبلغ ذلك الشماخ فقال (٦) :
لبيك على الشعر الرّواة فقد مضى |
|
وفارق إذ مات الحطيئة جرول |
وأودى فما أبقى مقالا لشاعر |
|
يقوم ليبلى من يشا (٧) أو يعدل |
مضى ذا وهذا والسّلام عليهما |
|
وكلّ عليه سوف يبكي ويعول |
[٩٧٧٩] جرول بن جنفل
ويقال : ابن جنقل بالقاف ، والأول أصح ـ أبو توبة النميري الحراني المعلّم.
[٩٧٧٩] ترجمته في ميزان الاعتدال ١ / ٣٩١ وفيه : جيفل بدل جنفل ولسان الميزان ٢ / ١٠١.
__________________
(١) النمرقة : الوسادة.
(٢) في الأغاني : قال ابن أسلم.
(٣) إلى هنا الخبر في الشعر والشعراء ١ / ٣١٨ في ترجمة الشماخ.
(٤) كذا ، والذي في فوات الوفيات ١ / ٢٧٩ قالوا : فما تقول في مالك؟ قال : للأنثى مثل حظ الذكر.
(٥) الخبر إلى هنا في فوات الوفيات ١ / ٢٧٩ والأغاني ٢ / ١٩٧ باختلاف الرواية فيها.
(٦) ليس الأبيات في ديوانه.
(٧) خفف «بشا» لتقويم الوزن.