قال : وهم يأكلون تمرا ، قال : فجعل الجحاف يأخذ التمرة ويجعلها في عينه من الغضب ، ثم نهض وقد سقط رداؤه من جانب ، وهو يجرّه ، فقال عبد الملك للأخطل : ويحك إني أخشى أن تكون قد سقت إلى قومك شرا ، فخرج الجحّاف حتى أتى قومه وقد أوسق بغالا ، فيها حصا في الأحمال يوهم أنها مال ، ثم نادى في قومه فاجتمعوا إليه على أخذ الجائزة ، فلما اجتمعوا كشف عما فيها فإذا هو الحصا ، وقال : إنما أردت أن أجمعكم لهذا ، ثم أنشدهم قول الأخطل. قال : فمن أراد أن يتبعني فليتبعني ، فاتبعه منهم عدة آلاف ، فسار. فلما أمسى قال : من كان منكم مضعفا فليرجع ، فرجع قوم ثم مضى فقال : من كان يكره الموت فليرجع ، فرجع عنه قوم ، فسار مسيرة أربع في يوم وليلة حتى صبّح حيّ الأخطل ، فأغار عليهم فقتل النساء والصبيان والماشية ، وذبح الدجاج والكلاب ، وأفلت الأخطل هاربا ، فقال الأخطل : (١).
لقد أوقع الجحّاف بالبشر وقعة |
|
إلى الله منها المشتكى والمعوّل |
وإلا تغيّرها (٢) قريش بملكها |
|
يكن عن قريش مستماز (٣) ومزحل (٤) |
قال : فقيل له : إلى أين؟ قال : إلى النار ، فقال له عبد الملك : يا بن اللخناء أيكون عن قريش مستماز ومزحل؟.
قال : ثم إن الجحاف خاف من عبد الملك ، فخرج إلى بلاد الروم فقبله صاحب الروم ، ثم إن عبد الملك وجه الصائفة فلقيهم الروم ولقيهم الجحّاف مع الروم ، فهزمت الصائفة. فلما رجعوا سأل عبد الملك عن الخبر فقالوا : أتينا من الجحّاف ، فبعث إليه عبد الملك يؤمّنه فرجع وعرض عليه صاحب الروم النصرانية والمقام عنده ويعطيه ما شاء فأبى وقال : لم أخرج رغبة عن الإسلام ، إنما خرجت حميّة ، فلما رجع تفكر فيما صنع وندم فدعا مولى له أو اثنين فركبا وركب معهما وقد لبس أكفافا حتى أتى إلى البشر إلى حيّ الأخطل ، فلم يرعهم حتى جاءهم ، فقالوا : قد أتى الجحّاف فقالوا : ما جاء بك؟ قال : أعطي القود من نفسي فإن شئتم
__________________
(١) البيتان في الأغاني ١٢ / ٢٠٣ ومعجم البلدان ١ / ٤٢٧ وديوان الأخطل ص ٢٣٠ و٢٣١.
(٢) الديوان : فإن لا تغيرها.
(٣) الأغاني : مستراد ، والمستماز : الذي تخلف عن أهله والتحق بغيرهم.
(٤) في الديوان ومعجم البلدان : ومرحل. والمزحل : المبعد ، الذي زحل عن مكانه وزال وتنحى.