أقبلت الروم يوم دالي في جمع كبير من الروم ونصارى العرب ، عليهم نياق البطريق ، فقال بعض القوم لبعض : إنه قد حضركم جمع عظيم ، فإن رأيتم أن تناجزوا إلى نواظر الشام ، إلى بيرين (١) وقدس (٢) ، وتكتبوا إلى أبي بكر فيمدكم ، فقال هشام بن العاص إن كنتم تعلمون أنما النصر من عند العزيز الحكيم ، فقاتلوا ، وإن كنتم تنتظرون نصرا من عند أبي بكر ركبت راحلتي حتى ألحق به ، فقال بعض القوم : ما ترك لكم هشام بن العاص مقالا ، فقاتلوا ، فقتل من المسلمين بشر كثير ، وقتل هشام بن العاص ، وهزم الله الروم ، وقتل نياق البطريق ، فمرّ رجل بهشام بن العاص وهو قتيل ، فقال : رحمك الله ، هذا الذي كنت تبتغي.
قال (٣) هشام بن العاص يوم أجنادين : يا معشر المسلمين ، إنّ هؤلاء القلعاء (٤) لا صبر لهم على السيف ، فاصنعوا كما أصنع ، فجعل يدخل وسطهم فيقتل النفر منهم حتى قتل.
ورأى (٥) من المسلمين بعض النكوص عن العدو ، فألقى المغفر عن وجهه وجعل يتقدم في نحر العدو وهو يصيح : يا معشر المسلمين ، إلي إلي ، أنا هشام بن العاص ، أمن الجنة تفرّون؟ حتى قتل.
ولما (٦) انهزمت الروم يوم أجنادين انتهوا إلى موضع لا يعبره إلا إنسان إنسان ، فجعلت الروم تقاتل عليه ، وقد تقدموه ، وعبروه ، فتقدم هشام بن العاص ، فقاتلهم عليه حتى قتل ، ووقع على تلك الثلمة فسدّها. فلما انتهى المسلمون إليها هابوا أن يوطئوه الخيل ، فقال عمرو ابن العاص : أيها الناس ، إن الله قد استشهده ، ورفع روحه ، وإنما هو جثة ، فأوطئوه الخيل ، ثم أوطأه هو تبعه الناس حتى قطعوه ، فلما انتهت الهزيمة ، ورجع المسلمون إلى
__________________
(١) بيرين : من قرى حمص (معجم البلدان).
(٢) قدس : بالتحريك ، والسين المهملة بلد بالشام قرب حمص ، من فتوح شرحبيل بن حسنة (معجم البلدان).
(٣) الخبر رواه ابن سعد في الطبقات الكبرى ٤ / ١٩٣ من طريق محمد بن عمر ، حدثني ثور بن يزيد عن زيد عن زياد ، وذكره.
(٤) كذا بالأصل ، وفي ابن سعد : القلفان. والقلعة الرجل الضعيف الذي لا يثبت في البطش ولا على السرج (اللسان : قلع).
(٥) طبقات ابن سعد ٤ / ١٩٣ من طريق محمد بن عمر بسنده إلى أم بكر بنت المسور بن مخرمة. والإصابة ٣ / ٦٠٤.
(٦) رواه ابن سعد في طبقات الكبرى ٤ / ١٩٣ ـ ١٩٤ من طريق محمد بن عمر حدثني ثور بن يزيد عن خلف بن معدان ، وذكره. وأسد الغابة ٤ / ٦٢٦ عن خالد بن معدان ، والإصابة ٣ / ٦٠٤ عن خالد بن معدان ، والاستيعاب أيضا ٣ / ٥٩٤ ـ ٥٩٥ عن خالد بن معدان.