لم يؤيد الملك بمثل كلب ، ولم تقل (١) المنابر بمثل قريش ، ولم تطلب الترات بمثل تميم ، ولم ترع الرعاية بمثل ثقيف ، ولم تسدّ الثغور بمثل قيس ، ولم تهج الفتن بمثل ربيعة ، ولم يجب الخراج بمثل اليمن.
قال العتبي : حدّثني رجل من قريش قدم علينا الكوفة يكنى أبا عمرو الأموي قال : سمعت يوسف بن عمر يقول في خطبته (٢) :
اتّقوا الله عباد الله ، فكم من مؤمّل ما لا يبلغه ، وجامع ما لا يأكله ، ومانع ما سوف يتركه. ولعلّ من باطل جمعه ، ومن حقّ منعه ، أصابه حراما ، وورّثه عدوّا ، واحتمل إصره (٣) ، وباء بوزره ، وقدم على ربّه أسفا قد خسر الدنيا والآخرة.
قال ابن أبي خيثمة حدّثنا محمّد بن يزيد هو الرفاعي قال : سمعت أبا بكر بن عياش يقول :
بعث يوسف بن عمر إلى ابن أبي ليلى (٤) يستقضيه على الكوفة ، وكانوا لا يولون على القضاء إلّا عربيا ، فقال : عربي أو مولى؟ فقال : أصابتنا يد في الجاهلية ، فقال : لو كذبتني في نفسك صدقتك في غيرك ، لم تزل العرب يصيبها هذا في الجاهلية ، فقد وليتك القضاء بين أهل الكوفة ، وأجريت عليك مائة درهم في الشهر (٥) ، فاجلس لهم بالغداة والعشي ، فإنما أنت أمين (٦) للمسلمين.
قال الأصمعي (٧) :
قال يوسف بن عمر لأعرابي (٨) ولاه عملا : يا عدوّ الله ، أكلت مال الله! فقال له : فمال من آكل منذ خلقت إلى الساعة؟ والله لو سألت الشيطان درهما واحدا ما أعطانيه!
__________________
(١) في وفيات الأعيان : تعل.
(٢) انظر خطبته في العقد الفريد ٤ / ١٣٤ والبيان والتبيين ٢ / ٧١.
(٣) الإصر : الذنب.
(٤) هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، أبو عبد الرحمن مفتي الكوفة وقاضيها ترجمته في سير الأعلام ٦ / ٣١٠.
(٥) سير أعلام النبلاء ٦ / ٣١٢.
(٦) كتب على هامش مختصر أبي شامة : «لعله أجير».
(٧) رواه ابن خلكان في وفيات الأعيان ٧ / ١٠٨.
(٨) في وفيات الأعيان : لرجل.