قال : وجدت المسيح فاسلمت على يده. قال : وجدت المسيح ؟! قال : أو نظيره ، فإنّ هذه الفصدة لم يفعلها في العالم إلا المسيح ، وهذا نظيره في آياته وبراهينه ، ثم انصرف إليه ولزم خدمته إلى أن مات » (١).
وذكرنا في الفصل الثاني أن الإمام العسكري عليهالسلام حبس أكثر من مرّة ، ونقلت لنا الأخبار كيف كان تأثيره في محيط السجن بحيث انقلب المتصدّون لسجنه من بغضه والحقد عليه إلى حبّه والإخلاص له ، ذلك لأن الانسان في السجن يعيش حالة نفسية صعبة ، لكنهم وجدوه عليهالسلام في أعلى درجات الارتباط بالله سبحانه وفي أعمق مواقع الاخلاص له تعالى.
روى ثقة الاسلام الكليني بالاسناد عن محمد بن إسماعيل العلوي ، قال : « حُبس أبو محمد عليهالسلام عند علي بن نارمش ، وهو أنصب الناس ، وأشدّهم على آل أبي طالب ، وقيل له : افعل به وفعل ، فما أقام عنده الا يوماً حتى وضع خدّيه له ، وكان لا يرفع بصره إليه إجلالاً وإعظاماً ، فخرج من عنده وهو أحسن الناس بصيرةً وأحسنهم فيه قولاً » (٢).
وهكذا يستسلم السجّان للسجين الذي لا يملك حولاً ولا قوة غير تأثيره الروحي ، فيضع خديه له متذللاً خاضعاً ، ولا يرفع بصره إجلالاً وهيبة ، لأنّه استطاع أن يقلب تفكيره ووجدانه وسلوكه ، فتحول من عدو شديد العداوة إلى صديق شديد الصداقة ، بل تحول إلى داعية إلى الإمام عليهالسلام.
__________________
(١) الخرائج والجرائح ١ : ٤٢٢ ، بحار الأنوار ٥٠ : ٢٦٠ / ٢١.
(٢) أصول الكافي ١ : ٥٠٨ / ٨ ـ باب مولد أبي محمد الحسن بن علي عليهالسلام من كتاب الحجة.