وهو بهذا التصرف استطاع الترفع على سيرة أسلافه العباسيين المعروفين بالترف والاسراف والمجون ومعاقرة الخمور وغيرها من مظاهر الانحراف ، لكن ثمة فرقاً بين السيرة الصالحة التي تكون واعزاً للحق والعدل والانصاف وتمنع صاحبها عن الظلم والجور ، والسيرة التي يفتعلها صاحبها أو يتصنّعها لأجل الخروج عن الاطار الشكلي الحاكم على الخلفاء المتقدمين ، وقد صرح بعض المؤرخين بأن المهتدي كان يتشبّه بعمر بن عبد العزيز (١) ، والتشبه غير التطبّع.
ونقل آخر عنه أنه قال لأحد جلسائه حين سأله عما هو فيه من التقشف في الأكل ، فقال : « انّي فكرت في أنه كان في بني اُمية عمر بن عبد العزيز ، وكان من التقلّل والتقشف على ما بلغك ، فغرت على بني هاشم ، فأخذت نفسي بما رأيت » (٢).
فالتزهّد هنا ناتج عن غيرة لا عن طبيعة وفطرة سليمة ، وبنوهاشم هنا خصوص بني العباس لا عمومهم ، لأن فيهم من قال فيه تعالي : ( وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ ) (٣) وفيهم آل البيت المعصومون عليهمالسلام ، ويبين ذلك الخصوص في تصريحة بقول آخر : « أما تستحي بنو العباس أن لا يكون فيهم مثل عمر بن عبد العزيز ؟! » (٤) ، فكانوا يطلقون لفظ بني هاشم على العباسيين في مقابل بني
__________________
البداية والنهاية ١١ : ٢٣ ، سير أعلام النبلاء ١٢ : ٥٣٥ ، الفخري في الآداب السلطانية : ٢٤٦.
(١) الفخري في الآداب السلطانية : ٢٤٦.
(٢) تاريخ الخلفاء للسيوطي : ٢٨١.
(٣) سورة القلم : ٦٨ / ٤.
(٤) `الكامل في التاريخ ٦ : ٢٢٤.