وقد ذكرنا ذلك في قوله : (تَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللهُ) [التغابن : ٦].
قال سيبويه : وأما الهمزتان فليس فيهما إدغام كقولك : قرأ أبوك وأقرئ أباك ؛ لأنهما لا يجوز تحقيقهما فتصير كأنك إنما أدغمت ما يجوز فيه البيان وكذلك قالت العرب وهو قول الخليل ويونس.
وزعموا أن ابن أبي إسحاق كان يحقق الهمزتين وناس معه وهي رديئة فقد يجوز فيه الإدغام في قول هؤلاء.
قال أبو سعيد ـ رحمهالله ـ قد ذكرنا في تفسير باب الهمز ما يجب في التقاء الهمزتين من تلاشي أحدهما وتحقيقها ما يغني عن إعادته في هذا الموضع ، ومعنى لينت أحداهما فقد خرجت عن جنس الهمز فلا يجوز إدغامها في الأخرى ؛ لأنه لا يدغم الشيء فيما ليس من جنسه ، وذكر عن قوم تحقيق الهمزتين وأنه يجوز الإدغام في قول هؤلاء وذلك أنه إذا حقق الهمزتين وجمع بينهما فقد صيرهما كحرفين يلتقيان دالين أو ميمين ، وما أشبه ذلك.
فإذا اجتمعت الهمزتان وكانت الأولى ساكنة وحققهما محقق فبالضرورة تدغم الأولى في الثانية ، وتوهم بعض القراء أن سيبويه أنكر ادغام الهمزة وليس الأمر على ما توهمه ، وإنما أنكره على مذهب من خفف الهمزة ، وهو المختار عندنا.
وقد بين ذلك بقوله ؛ فقد يجوز الإدغام في قول هؤلاء قال سيبويه : ومما أجرى مجرى المنفصلين قولهم : اقتتلوا ويقتتلون وأظهروا التاءين ولم يجعلوهما بمنزلة أحمر وأصله أحمرر.
قال : لأن التضعيف لازم لهذه الزيادة يعني أن تاء الفعل يزاد على لام الفعل مثلها في اللفظ كقولنا : احمر وابيض واسود فصارت بمنزلة العين واللام اللتين من موضع واحد نحو يرد وأشباهه.
ويقتتل يفتعل ولا يلزم أن يكون بعد تاء يفتعل مثلها ألا تراهم قالوا : يستمع ويرتحل ويغتسل وغير ذلك من حروف المعجم فلما كان الحرف الذي بعد تاء الأفعال غير لازم تاء أشبه المنفصلين.
وقد احتججنا له قبل هذا الموضع بغيرها.
قال : وقد أدغم بعض العرب فأسكن لما كان الحرفان في كلمة واحدة ، وذلك قولهم يقتل وقتلوا.
قال أبو سعيد ـ رحمهالله ـ : أما الإدغام في قوله : يقتل وقتلوا ؛ فأمره بيّن لأنه لا