قال : واعلم أن الذين يقولون : " هذا قارب" ، يقولون : " مررت بقادر" ، ينصبون الألف ولم يجعلوها حيث بعدت تقوى كما أنها في لغة الذين قالوا : " مررت بكافر" لم تقو على الإمالة.
قال أبو سعيد : هؤلاء فصلوا بين قارب وبين قادر ؛ لأن الراء في" قارب" مكسورة تلي الألف ، وكسرتها لازمة ، وفي" قادر" بعيدة من الألف وكسرتها غير لازمة ، فضعفت عن مقاومة القاف التي هي حرف الاستعلاء.
قال : " وقد قال قوم ترضى عربيتهم : " مررت بقادر" حيث كانت مكسورة ، وذلك أنه يقول : " قارب" كما يقول : " جازم" ، فاستوت القاف وغيرها.
يعني استوت القاف وغيرها مما ليس بمستعل ، إذا كانت بعد الألف راء مكسورة ، فكذلك إذا كانت بعد الألف بحرف راء مكسورة فيصير" بقادر" بمنزلة" بكافر".
قال : " وسمعنا من نثق به من العرب يقول والبيت لهدبة بن خشرم :
عسى الله يغنى عن بلاد ابن قادر |
|
بمنهمر جون الرباب سكوب (١) |
وتقول : هو قادر ، فيفتح.
قال : " واعلم أن من يقول : " مررت بكافر" أكثر ممن يقول" مررت بقادر" لفصل حرف الاستعلاء. واعلم أن من العرب من يقول : " مرت بحمار قاسم" فينصبون للقاف كما نصبوا حين قالوا : " مررت بمال قاسم" إلا أن الإمالة في الحمار وأشباهه أكثر ؛ لأن الألف في الراء كأنها بينها وبين القاف حرفان مكسوران ، فلذلك صارت الإمالة فيها أكثر منها في المال ، ولكنهم لو قالوا : " جارم قاسم" لم يكن بمنزلة" حمار قاسم" لأن الذي يميل ألف جارم لا يتغير فبين" حمار قاسم" و" جارم قاسم" ما بين" مال قاسم" و" عابد قاسم".
قال أبو سعيد : يريد أن الإمالة في" جارم قاسم" أقوى منها في" جار قاسم" من جهتين : إحداهما أن كسرة الراء في جارم لازمة في كل حال ، وكسرة الراء في الحمار تتغير بالرفع والنصب ، والجهة الأخرى أن حرف الاستعلاء قد بعد من ألف جارم أكثر من بعده عن ألف حمار ، وكذلك الإمالة في" عابد قاسم" أقوى منه في" مال قاسم".
قال : يريد أنهم أمالوا بفارّ ؛ لأن الراء المكسورة بينها وبين الألف راء ساكنة قد
__________________
(١) البيت في شرح التصريح على التوضيح ٢ / ٣٥١ ، وخزانة الأدب ٤ / ٨٢.