فجعل الاختيار فيها أن تحرك ولا توصل بحرف ، وجعل الهاء التي قبلها ساكن غير الياء والواو ، والألف الاختيار فيها أن توصل بالواو ، واختار أن يقال عليه وألقى عصاه وخدوه بغير حرف ، واختار منهو آيات ، وأصابتهو جائحة ، واختار أبو العباس حذف الصلة في منه وأصابته ، ولم يفرق بين حرف اللين وغيره ، وهذا هو الصحيح ، لأن أكثر القراء والجمهور على : (مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ)(١) ، والعلة في هذا كالعلة في حروف اللين ، وذلك أن الهاء حرف خفي ، فلو وصلت بحرف ساكن وهي لخفائها كأنها ساكن فيصير كأنه ثلاثة سواكن.
قال سيبويه : " فإن كان الحرف الذي قبل الهاء متحركا فالإثبات ليس إلّا كما تثبت الألف في التأنيث ، لأنه لم تأت علة مما ذكرنا فجرى على الأصل إلّا أن يضطرب شاعر فيحذف كما يحذف ألف معلّى ، وكما حذف فقال :
وطرت بمنصلي في بعملات |
|
دوامي الأيد يخبطن السّريحا (٢) |
وهذا أجدر أن يحذف في الشعر ، لأنه قد يحذف في مواضع من الكلام وهي المواضع التي ذكرت لك في حروف اللين نحو عليه ، والساكن ، ولو أثبتوا كان أصلا وكلاما حسنا من كلامهم ، فإذا حذفوها على هذه الحال كانت في الشعر في تلك المواضع أجدر أن تحذف إذ حذفت مما لا يحذف منه في الكلام على الحال ، ولم يفعلوا هذا بذه هي ومن هي ونحوهما ، وفرق بينهما لأن هاء الإضمار أكثر استعمالا" في الكلام والهاء التي هي هاء الإضمار الياء التي بعدها أيضا مع هذا أضعف لأنها ليست بحرف من نفس الكلمة ولا بمنزلته وليست الياء في هي وحدها باسم كياء غلامي".
قال أبو سعيد : يريد أن الهاء التي قبلها حركة لا بد من أن توصل ، وحذف الوصل منها إنما يجوز في الشعر كما جاز حذف ألف معلّى حين قيل في الشعر معلّ ، وحذف الياء من الأيد ، وحذّف صلة الهاء أجدر لأنها قد تحذف في الكلام من : عليه ومنه ، ولا تحذف من : هي وهو لأن الياء والواو مع الهاء التي قبلهما هما الاسم ، ولأن الواو والياء في هو وهي يوقف عليهما وليس ذلك في ضربته ولا مررت به وكذلك ضعّف الوصل فقال : الهاء هي هاء الإضمار ، الياء التي بعدها مع هذا أضعف لأنها ليست بحرف من نفس
__________________
(١) سورة آل عمران الآية : ٧.
(٢) قائل البيت مضرس بن ربعي الفقعسي الأسدي ، انظر شرح شواهد المغني ٢ / ٥٩٨.