يريد : ونفيت عنه الذئب. ومنه : ولمن خاف مقام ربه. ومنه قول الكتاب : حضرت فلان ومجلسه ، وكتبت إلى جهته وإلى جانبه العزيز ، يريدون نفسه وذاته ، فكأنه قال : ونأى بنفسه ، كقولهم في المتكبر : ذهب بنفسه ، وذهبت به الخيلاء كل مذهب ، وعصفت به الخيلاء ، وأن يراد بجانبه : عطفه ، ويكون عبارة عن الانحراف والازورار ، كما قالوا : ثنى عطفه ، وتولى بركنه.
(قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقاقٍ بَعِيدٍ) (٥٢)
(أَرَأَيْتُمْ) أخبرونى (إِنْ كانَ) القرآن (مِنْ عِنْدِ اللهِ) يعنى أن ما أنتم عليه من إنكار القرآن وتكذيبه ليس بأمر صادر عن حجة قاطعة حصلتم منها على اليقين وثلج الصدور ، وإنما هو قبل النظر واتباع الدليل أمر محتمل ، يجوز أن يكون من عند الله وأن لا يكون من عنده ، وأنتم لم تنظروا ولم تفحصوا ، فما أنكرتم أن يكون حقا وقد كفرتم به ، فأخبرونى من أضلّ منكم وأنتم أبعدتم الشوط في مشاقته ومناصبته ولعله حق فأهلكتم أنفسكم؟ وقوله تعالى (مِمَّنْ هُوَ فِي شِقاقٍ بَعِيدٍ) موضوع موضع منكم ، بيانا لحالهم وصفتهم.
(سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (٥٣) أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ)(٥٤)
(سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ) يعنى ما يسر الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم وللخلفاء من بعده ونصار دينه في آفاق الدنيا وبلاد المشرق والمغرب عموما وفي باحة العرب (١)
__________________
ـ للشماخ : وأروى ، اسم محبوبته. واللجين ـ بفتح اللام وكسر الجيم ـ : ما يتساقط من الورق من اللجن وهو الدق ، لأنه يضربه الهوى أو الراعي ، فيسقط من الشجر. وذعرت ـ بفتحتين» أى : أخفت فيه القطا ، وخصها لأنها أسبق الطير إلى الماء. ومقام الذيب : إقامته أو محلها ، وعبر به كناية عن ذاته ، وخصه لأن غالب وروده الماء ليلا. والرجل اللعين : هو الصورة التي تنصب وسط الزرع على شكل الرجل تطرد عنه الهوام ، يقول : ورب ماء قد وردته لأجل محبوبتى ، عسى أن تجيء عنده فأراها. ويروى : لوصل أروى ، فلعله كان موعدا بينهما. وشبه الطير حول الماء بورق الشجر المتساقط في الكدرة والكثرة والانتشار ، وهذا يدل على أنه لا يكثر وروده ، فيصلح موعدا للوصل. وذعرت ـ إلى آخره : كناية عن وروده ليلا ، وكالرجل اللعين : حال من ضمير الشاعر ، فيفيد أنه سبق القطا والذيب وقعد هناك ، أو حال من الذيب ، أى : على هيئة مفزعة. وفيه دليل على شجاعة الشاعر وجرأته
(١) قوله «وفي باحة العرب» أى ساحتهم. أفاده الصحاح. (ع)