خصوصا : من الفتوح التي لم يتيسر أمثالها لأحد من خلفاء الأرض قبلهم ، ومن الإظهار على الجبابرة والأكاسرة ، وتغليب قليلهم على كثيرهم ، وتسليط ضعافهم على أقويائهم ، وإجرائه على أيديهم أمورا خارجة من المعهود خارقة للعادات ، ؛ ونشر دعوة الإسلام في أقطار المعمورة ، وبسط دولته في أقاصيها ، والاستقراء يطلعك في التواريخ والكتب المدوّنة في مشاهد أهله وأيامهم : على عجائب لا ترى وقعة من وقائعهم إلا علما من أعلام الله وآية من آياته ، يقوى معها اليقين ، ويزداد بها الإيمان ، ويتبين أن دين الإسلام هو دين الحق الذي لا يحيد عنه إلا مكابر حسه مغالط نفسه ، وما الثبات والاستقامة إلا صفة الحق والصدق ، كما أن الاضطراب والتزلزل صفة الفرية والزور ، وأن للباطل ريحا تخفق ثم تسكن ، ودولة تظهر ثم تضمحل (بِرَبِّكَ) في موضع الرفع على أنه فاعل كفى. و (أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) بدل منه ، تقديره. أو لم يكفهم أن ربك على كل شيء شهيد. ومعناه : أن هذا الموعود من إظهار آيات الله في الآفاق وفي أنفسهم سيرونه ويشاهدونه ، فيتبينون عند ذلك أن القرآن تنزيل عالم الغيب الذي هو على كل شيء شهيد ، أى : مطلع مهيمن يستوي عنده غيبه وشهادته ، فيكفيهم ذلك دليلا على أنه حق وأنه من عنده ، ولو لم يكن كذلك لما قوى هذه القوة ولما نصر حاملوه هذه النصرة. وقرئ : في مرية ، بالضم وهي الشك (مُحِيطٌ) عالم يجمل الأشياء وتفاصيلها وظواهرها وبواطنها ، فلا تخفى عليه خافية منهم ، وهو مجازيهم على كفرهم ومريتهم في لقاء ربهم. عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من قرأ سورة السجدة أعطاه الله بكل حرف عشر حسنات» (١).
__________________
(١) أخرجه الثعلبي وابن مردويه من حديث أبى.