أنت لا تخفر. ومنه قولهم : قد أيفعت لداته وبلغت أترابه ، يريدون : إيفاعه وبلوغه. وفي حديث رقيقة بنت صيفي في سقيا عبد المطلب : «ألا وفيهم الطيب الطاهر (١) لداته» والقصد إلى طهارته وطيبه ، فإذا علم أنه من باب الكناية لم يقع فرق بين قوله : ليس كالله شيء ، وبين قوله (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) إلا ما تعطيه الكناية من فائدتها ، وكأنهما عبارتان معتقبتان على معنى واحد : وهو نفى المماثلة عن ذاته ، ونحوه قوله عز وجل (بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ) فإنّ معناه : بل هو جواد من غير تصوّر يد ولا بسط لها : لأنها وقعت عبارة عن الجود لا يقصدون شيئا آخر ، حتى أنهم استعملوا فيمن لا يد له ، فكذلك استعمل هذا فيمن له مثل ومن لا مثل (٢) له ، ولك أن تزعم أنّ كلمة التشبيه كرّرت للتأكيد ، كما كرّرها من قال :
وصاليات ككما يؤثفين (٣)
__________________
ـ الغلام» أى : ارتفع : وهو يافع ، ولا تقول : موقع. وقوله «كان أبلغ» لعل تقديره : فان قلت له ذلك كان أبلغ. (ع)
(١) قال محمود : «تقول العرب : مثلك لا يبخل ، فينفون البخل عن مثله ، والمراد نفسه. ونظيره قولك للعربي : العرب لا تخفر الذمم. ومنه قولهم : قد أيفعت لداته وبلغت أترابه. وفي حديث رقيقة بنت صيفي في سقيا عبد المطلب : ألا وفيهم الطيب الطاهر لداته ، تريد طهارته وطيبه ، فإذا علم أنه من باب الكناية : لم يكن فرق بين قولك ليس كالله شيء وبين قوله ليس كمثله شيء ، إلا ما تعطيه الكناية من فائدتها. ونحوه قوله تعالى (بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ) فان معناه بل هو جواد من غير تصور يد ولا بسط ، لأنها وقعت عبارة عن الجود لا يقصدون بها شيئا آخر ، حتى أنهم يستعملونها فيمن لا يد له ، فكذلك استعمل هذا فيمن له مثل ، وفيمن لا مثل له ، ثم قال: ولك أن تزعم أن كلمة التشبيه كررت للتأكيد كما كررت في قوله من قال : وصاليات ككما يؤثفين ومن قال : فأصبحت مثل كعصف مأكول انتهى كلامه. قال أحمد : هذا الوجه الثاني مردود على ما فيه من الإخلال بالمعنى ، وذلك أن الذي يليق هنا تأكيد نفى المماثلة ، والكاف على هذا الوجه إنما تؤكد المماثلة وفرق بين تأكيد المماثلة المنفية ، وبين تأكيد نفى المماثلة ، فان نفى المماثلة المهملة عن التأكيد أبلغ وآكد في المعنى من نفى المماثلة المقترنة بالتأكيد ، إذ يلزم من نفى المماثلة الغير المؤكدة نفى كل مماثلة. ولا يلزم من نفى مماثلة محققة متأكدة بالغة نفى مماثلة دونها في التحقيق والتأكيد. وحيث وردت الكاف مؤكدة للمماثلة وردت في الإثبات فأكدته ، فليس النظر في الآية بهذين النظرين مستقيما والله أعلم. ومما يرشد إلى صحة ما ذكرته أن للقائل أن يقول : ليس زيد شبيها بعمرو ، لكن مشبها له ، ولو عكس هذا لم يكن صحيحا ، وما ذاك إلا أنه يلزم من نفى أدنى المشابهة نفى أعلاها ، ولا يلزم من نفى أعلاها نفى أدناها ، فمتى أكد التشبيه قصر عن المبالغة. والوجه الأول الذي ذكره هو الوجه في الآية عنده ، وأتى بمطية الضعف في هذا الوجه الثاني بقوله : ولك أن تزعم ، فافهم.
(٢) رواه ابن عبد الرحمن بن موهب حليف بنى زهرة عن أبيه : حدثني مخرمة بن نوفل بحديث سقيا عبد المطلب لكن ليس فيه الطيب الطاهر لداته ورواه الطبراني وأبو نعيم في الدلائل من حديث عروة بن مصرف عن مخرمة ابن نوفل عن أمه رقيقة بنت أبى صيفي بن هاشم ، وكانت لدة عبد المطلب. قالت «تتابعت على قريش سنون ـ الحديث بطوله» ورويناه في جزء أبى السكين. «تنبيه» وقع رقيقة بنت صيفي والصواب بنت أبى صيفي.
(٣)
لم يبق من آي بها يحلين |
|
غير رماد وعظام كثفين |
وغير ود جازل أو ودين |
|
وصاليات ككما يؤثفين |