وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا ...) الآية يقال : مازه فانماز وامتاز. وعن قتادة : اعتزلوا عن كل خير. وعن الضحاك : لكل كافر بيت من النار يكون فيه ، لا يرى ولا يرى. ومعناه : أنّ بعضهم يمتاز من بعض.
(أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٦٠) وَأَنِ اعْبُدُونِي هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ)(٦١)
العهد : الوصية ، وعهد إليه : إذا وصاه. وعهد الله إليهم : ما ركزه فيهم من أدلة العقل وأنزل عليهم من دلائل السمع. وعبادة الشيطان : طاعته فيما يوسوس به إليهم ويزينه لهم. وقرئ : اعهد ، بكسر الهمزة. وباب «فعل» كله يجوز في حروف مضارعته الكسر (١) ، إلا في الياء. وأعهد ، بكسر الهاء. وقد جوز الزجاج أن يكون من باب نعم ينعم وضرب يضرب. وأحهد : بالحاء. وأحد : وهي لغة تميم. ومنه قولهم : دحا محا (٢) (هذا) إشارة إلى ما عهد إليهم من معصية الشيطان وطاعة الرحمن ، إذا لا صراط أقوم منه ، ونحو التنكير فيه ما في قول كثير :
لئن كان يهدى برد أنيابها العلا |
|
لأفقر منى إنّنى لفقير (٣) |
أراد : إننى لفقير بليغ الفقر ، حقيق بأن أوصف به لكمال شرائطه فىّ ، وإلا لم يستقم معنى البيت ، وكذلك قوله (هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ) يريد : صراط بليغ في بابه ، بليغ في استقامته ، جامع لكل شرط يجب أن يكون عليه. ويجوز أن يراد : هذا بعض الصراط المستقيمة ،
__________________
(١) قوله «في حروف مضارعته الكسر» لعله مضارعه. (ع)
(٢) قوله «ومنه قولهم دحا محا» أى : دعها معها. (ع)
(٣) دعوت إلهى دعوة ما جهلتها |
|
وربى بما تخفى الصدور بصير |
لئن كان يهدى برد أنيابها العلا |
|
لأفقر منى إننى لفقير |
فما أكثر الأخبار أن قد تزوجت |
|
فهل يأتينى بالطلاق بشير |
لكثير عزة. وقيل : لمجنون ليلى. وقوله «ما جهلتها» معناه : أنها عن قصد وحضور قلب. وقوله : لئن كان يهدى ، بيان للدعوة ، وما بينهما اعتراض للتأكيد وإفادة أن الدعوة كانت في السر ، أى : لئن كان يعطى برد أسنانها العليا ، خصها لأنها التي تبدو كثيرا. وقيل : العلا الشريفة ، لأحوج منى إننى لبليغ في الفقر فأنا أحق بها من كل محتاج ، لأنى أحوج الناس إليها. ويجوز أن يرد أنيابها : كناية عن ذاتها كلها ، وإننى لفقير : خبر بمعنى الإنشاء مجازا مرسلا ، لأن إظهار شدة الاحتياج يلزمه الطلب. ويجوز أنه كناية عنه وهو جواب القسم المدلول عليه باللام ، وجواب الشرط محذوف وجوبا لدلالة المذكور عليه ، وما تعجبية ، وأكثر فعل تعجب ، والأخبار مفعوله ، وأن مخففة من الثقيلة ، واسمها ضمير الشأن ، وهي على تقدير حرف الجر ، أى : أتعجب من كثرة الأخبار المخبرة بزواجها ، وهل استفهام بمعنى التمني أو التعجب مجازا مرسلا لعلاقة مطلق الطلب ، أى : أتمني ذلك أو أتعجب من عدمه.