توبيخا لهم على العدول عنه ، والتفادى عن سلوكه ، كما يتفادى الناس عن الطريق المعوج الذي يؤدى إلى الضلالة والتهلكة ، كأنه قيل : أقل أحوال الطريق الذي هو أقوم الطرق : أن يعتقد فيه كما يعتقد في الطريق الذي لا يضل السالك ، كما بقول الرجل لولده وقد نصحه النصح البالغ الذي ليس بعده : هذا فيما أظنّ قول نافع غير ضار ، توبيخا له على الإعراض عن نصائحه.
(وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (٦٢) هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (٦٣) اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ)(٦٤)
قرئ : جبلا ، بضمتين ، وضمة وسكون ، وضمتين وتشديدة ، وكسرتين ، وكسرة وسكون ، وكسرتين وتشديدة. وهذه اللغات في معنى الخلق. وقرئ : جبلا ، جمع جبلة ، كفطر وخلق. وفي قراءة على رضى الله عنه : جيلا واحدا ، لا أجيال.
(الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (٦٥) وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ)(٦٦)
يروى أنهم يجحدون ويخاصمون ، فتشهد عليهم جيرانهم وأهاليهم وعشائرهم ، فيحلفون ما كانوا مشركين ، فحينئذ يختم على أفواههم وتكلم أيديهم وأرجلهم. وفي الحديث : (١) «يقول العبد يوم القيامة : إنى لا أجيز علىّ شاهدا إلا من نفسي ، فيختم على فيه ، ويقال لأركانه : انطقى فتنطق بأعماله ، ثم يخلى بينه وبين الكلام فيقول : بعدا لكنّ وسحقا. فعنكن كنت أناضل» (٢) وقرئ : يختم على أفواههم ، وتتكلم أيديهم. وقرئ : ولتكلمنا أيديهم وتشهد ، بلام كى والنصب على معنى : ولذلك تختم على أفواههم : وقرئ : ولتكلمنا أيديهم ولتشهد ، بلام الأمر والجزم على أنّ الله يأمر الأعضاء بالكلام والشهادة.
(وَلَوْ نَشاءُ لَمَسَخْناهُمْ عَلى مَكانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطاعُوا مُضِيًّا وَلا يَرْجِعُونَ)(٦٧)
الطمس : تعفية شق العين حتى تعود ممسوحة (فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ) لا يخلو من أن يكون على حذف الجار وإيصال الفعل. والأصل : فاستبقوا إلى الصراط. أو يضمن معنى ابتدروا.
__________________
(١) أخرجه مسلم والنسائي من طريق الشعبي عن أنس ، ووهم الحاكم فاستدركه ،
(٢) قوله «كنت أناضل» أى أجادل. (ع)