النوعين ؛ وجعلوه من الملائكة الذين هم أكرم عباد الله على الله ، (١) فاستخفوا بهم واحتقروهم. وقرئ : عباد الرحمن ، وعبيد الرحمن ، وعبد الرحمن ، وهو مثل لزلفاهم واختصاصهم. وإناثا ، وأنثا : جمع الجمع. ومعنى جعلوا : سموا وقالوا إنهم إناث. وقرئ : أشهدوا وأشهدوا ، بهمزتين مفتوحة ومضمومة. وآ أشهدوا بألف بينهما ، وهذا تهكم بهم ، بمعنى أنهم يقولون ذلك من غير أن يستند قولهم إلى علم ، فإن الله لم يضطرهم إلى علم ذلك ، ولا تطرّقوا إليه باستدلال ، ولا أحاطوا به عن خبر يوجب العلم ، فلم يبق إلا أن يشاهدوا خلقهم ، فأخبروا عن هذه المشاهدة (سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ) التي شهدوا بها على الملائكة من أنوثتهم (وَيُسْئَلُونَ) وهذا وعيد. وقرئ : سيكتب ، وسنكتب : بالياء والنون. وشهادتهم ، وشهاداتهم. ويساءلون ، على : يفاعلون.
(وَقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ) (٢٠)
(وَقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ) هما كفرتان أيضا مضمومتان إلى الكفرات الثلاث ، وهما : عبادتهم الملائكة من دون الله ، وزعمهم أن عبادتهم بمشيئة الله ، كما يقول إخوانهم المجبرة (٢). فإن قلت : ما أنكرت على من يقول : قالوا ذلك على وجه الاستهزاء ، ولو قالوه جادين لكانوا مؤمنين؟ قلت : لا دليل على أنهم قالوه مستهزئين ، وادعاء ما لا دليل عليه باطل ، على أن الله تعالى قد حكى عنه ذلك على سبيل الذم والشهادة بالكفر : أنهم جعلوا له من عباده جزءا ، وأنه اتخذ بنات وأصفاهم بالبنين ، وأنهم جعلوا الملائكة المكرمين إناثا ، وأنهم عبدوهم وقالوا : لو شاء الرحمن ما عبدناهم ، فلو كانوا ناطقين بها على طريق الهزء : لكان النطق بالمحكيات (٣) ـ قبل هذا المحكي الذي هو إيمان عنده لوجدّوا في النطق به ـ مدحا لهم ، من قبل أنها كلمات كفر نطقوا بها على طريق الهزء ، فبقى أن يكونوا جادين ، وتشترك كلها في أنها كلمات كفر ، فإن قالوا : نجعل هذا الأخير وحده مقولا على وجه الهزء دون ما قبله ، فما بهم إلا تعويج
__________________
(١) قوله «هم أكرم عباد الله على الله» هذا عند المعتزلة. أما أهل السنة فبعض البشر أكرم عندهم من الملك. (ع)
(٢) قوله «المجبرة» يريد أهل السنة ، حيث قالوا : إنه تعالى يريد الشر كالخير ، لأنه لا يقع في ملكه إلا ما يريد ، لكن هذا لا يستلزم الجبر ولا ينافي اختيار العبد ، لما له في أفعاله من الكسب وإن كانت مخلوقة له تعالى في الحقيقة ، بل الجبر إنما يكون لو كان العبد لا دخل له في أفعاله أصلا ، كالريشة في الهواء ، كما قالت المجبرة الحقيقية. وإنما ذم الله تلك المقالة من الكفار لأنهم قالوها استهزاء وعنادا ، لا إقرارا واعتقادا. والدليل على ذلك إجماع سلف الأمة على أنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن. (ع)
(٣) قوله : «لكان النطق بالمحكيات ... الخ» ممنوع ، وكذا ما بعده ، والمعتزلة قالوا : لا يريد الشر بناء على أن الارادة هي الأمر ، وهو ممنوع ، وعفا الله عن صاحب الكتاب في بذأة لسانه على أهل السنة ، وجعلهم إخوان الكفار. (ع)