وعرج ، لمن مشى مشية العرجان من غير عرج. قال الحطيئة :
متى تأته تعشو إلى ضوء ناره (١)
أى : تنظر إليها نظر العشىّ لما يضعف بصرك من عظم الوقود واتساع الضوء. وهو بين في قوله حاتم :
أعشو إذا ما جارتى برزت |
|
حتّى يوارى جارتى الخدر (٢) |
__________________
ـ وإمام الحرمين من القائلين بافادتها العموم ، حتى استدرك على الأئمة إطلاقهم القول بأن النكرة في سياق الإثبات تخص ، وقال : إن الشرط يعم ، والنكرة في سياقه تعم. وقد رد عليه الفقيه أبو الحسن على الأنبارى شارح كتابه ردا عنيفا. وفي هذه الآية للإمام ومن قال بقوله كفاية ، وذلك أن الشيطان ذكر فيها منكرا في سياق شرط ، ونحن نعلم أنه إنما أراد عموم الشياطين لا واحدا لوجهين ، أحدهما : أنه قد ثبت أن لكل أحد شيطانا ، فكيف بالعاشى عن ذكر الله ، والآخر : يؤخذ من الآية : وهو أنه أعاد عليه الضمير مجموعا في قوله (وَإِنَّهُمْ) فانه عائد إلى الشيطان قولا واحدا «ولو لا إفادته عموم الشمول لما جاز عود ضمير الجمع عليه بلا إشكال ، فهذه نكتة تجد عند إسماعها لمخالفي هذا الرأى سكتة. والنكتة الثانية : أن في هذه الآية ردا على من زعم أن العود على معنى من يمنع من العود على لفظها بعد ذلك. واحتج المانع لذلك بأنه إجمال بعد تفسير ، وهو خلاف المعهود من الفصاحة. وقد نقض الكندي هذا بقوله تعالى (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللهُ لَهُ رِزْقاً) ونقض غيره بقوله (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِ ...) الآية وكان جدي رحمه الله قد استخرج من هذه الآية بعض ذلك ، لأنه أعاد على اللفظ في قوله : (يَعْشُ) و (لَهُ) مرتين ، ثم على المعنى في قوله (لَيَصُدُّونَهُمْ) ثم على اللفظ بقوله (حَتَّى إِذا جاءَنا) وقد قدمت أن الذي منع ذلك قد يكون اقتصر بمنعه على مجيء ذلك في جملة واحدة وأما إذا تعددت الجمل واستفلت كل بنفسها فقد لا يمنع ذلك حتى رددت على الزمخشري في قوله تعالى (لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً) فان الجملة واحدة ، فانظره في موضعه.
(١) كسوب ومتلاف إذا ما سألته |
|
تهلل واهتز اهتزاز المهند |
وذاك امرؤ إن يعطك اليوم نائلا |
|
بكفيه لم يمنعك من نائل الغد |
متى تأته تعشو إلى ضوء ناره |
|
تجد خير نار عندها خير موقد |
للحطيئة ، يقول : هو كثير الكسب وكثير الإتلاف ، وبينهما طباق التضاد : إذا سألته أجابك بسرعة وطلاقة وجه وهو المراد بقوله : تهلل واهتز كاهتزاز السيف المطلق من حديد الهند ، إذا أعطاك اليوم عطاء بكفيه معا كناية عن كثرة العطاء ، وسألته في غد أعطاك أيضا. وعشى يعشى كرضى يرضى : إذا كان ببصره آفة. وعشى يعشو : إذا تعاشى بغير آفة. والمعنى : منى تأته على هيئة الأعشى ـ مجاز عن إظهار الفاقة ـ تجده أكرم الناس ، عبر عنه بذلك على طريق الكناية.
(٢) ناري ونار الجار واحدة |
|
وإليه قبلي تنزل القدر |
ما ضرني جار أجاوره |
|
ألا يكون لبابه ستر |
أعشو إذا ما جارتى برزت |
|
حتى يوارى جارتى الخدر |
لحاتم الطائي : وعشى يعشى كرضى يرضى : صار لا يبصر ليلا ، وعشا يعشو كدعا يدعو : إذا نظر كنظر الأعشى.