وإلا دار بين أن يوجد وبين أن لا يوجد على حسب اختيار المكلف ، وإنما لم يكن الرجوع لأنّ الإرادة لم تكن قسرا ولم يختاروه. والمراد بالعذاب : السنون ، والطوفان ، والجراد ، وغير ذلك.
(وَقالُوا يا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنا لَمُهْتَدُونَ (٤٩) فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ)(٥٠)
وقرئ : يا أيه الساحر ، بضم الهاء ، وقد سبق وجهه. فإن قلت : كيف سموه بالساحر مع قولهم (إِنَّنا لَمُهْتَدُونَ)؟ قلت : قولهم (إِنَّنا لَمُهْتَدُونَ) : وعد منوي إخلافه ، وعهد معزوم على نكثه ، معلق بشرط أن يدعو لهم وينكشف عنهم العذاب. ألا ترى إلى قوله تعالى (فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ) فما كانت تسميتهم إياه بالساحر بمنافية لقولهم : (إِنَّنا لَمُهْتَدُونَ) وقيل : كانوا يقولون للعالم الماهر ساحر لاستعظامهم على السحر : (بِما عَهِدَ عِنْدَكَ) بعهده عندك : من أن دعوتك مستجابة. أو بعهده عندك وهو النبوّة. أو بما عهد عندك فوفيت به وهو الإيمان والطاعة. أو بما عهد عندك من كشف العذاب عمن اهتدى.
(وَنادى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قالَ يا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ (٥١) أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكادُ يُبِينُ (٥٢) فَلَوْ لا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ)(٥٣)
(وَنادى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ) جعلهم محلا لندائه وموقعا له. والمعنى : أنه أمر بالنداء في مجامعهم وأما كنهم من نادى فيها بذلك ، فأسند النداء إليه ، كقولك : قطع الأمير اللص ، إذا أمر بقطعه. ويجوز أن يكون عنده عظماء القبط ، فيرفع صوته بذلك فيما بينهم ، ثم ينشر عنه في جموع القبط ، فكأنه نودي به بينهم فقال (أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ) يعنى أنهار النيل ومعظمهما أربعة : نهر الملك ، ونهر طولون ، ونهر دمياط ، ونهر تنيس : قيل : كانت تجرى تحت قصره. وقيل : تحت سريره لارتفاعه. وقيل : بين يدي في جناني وبساتينى. ويجوز أن تكون الواو عاطفة للأنهار على ملك مصر. وتجرى : نصب على الحال منها ، وأن تكون الواو
__________________
ـ كانت لفعل نفسه أو لفعل غيره ، ولا يلزم تأويل الآية بالارادة ، لجواز أن يكون معناها : ليكون حالهم عند الأخذ بالعذاب حال من يرجي رجوعهم. (ع)