ولو كان جسما لم يقدر على خلق هذا العالم وتدبير أمره.
(فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ)(٨٣)
(فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا) في باطلهم (وَيَلْعَبُوا) في دنياهم (حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ) وهذا دليل على أنّ ما يقولونه من باب الجهل والخوض واللعب ، وإعلام لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم من المطبوع على قلوبهم الذين لا يرجعون البتة ، وإن ركب في دعوتهم كل صعب وذلول ، وخذلان لهم وتخلية بينهم وبين الشيطان ، كقوله تبارك تعالى (اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ) وإيعاد بالشقاء في العاقبة.
(وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (٨٤) وَتَبارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)(٨٥)
ضمن اسمه تعالى معنى وصف ، فلذلك علق به الظرف في قوله (فِي السَّماءِ وَفِي الْأَرْضِ) (١) كما تقول ، هو حاتم في طىّ حاتم في تغلب ، على تضمين معنى الجواد الذي شهر به ، كأنك قلت : هو جواد في طى جواد في تغلب. وقرئ : وهو الذي في السماء الله وفي الأرض الله. ومثله قوله تعالى (وَهُوَ اللهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ) كأنه ضمن معنى المعبود أو المالك أو نحو ذلك. والراجع إلى الموصول محذوف لطول الكلام ، كقولهم : ما أنا بالذي قائل لك شيئا ، وزاده طولا أنّ المعطوف داخل في حيز الصلة. ويحتمل أن يكون (فِي السَّماءِ) صلة الذي وإله خبر مبتدإ محذوف ، على أنّ الجملة بيان للصلة. وأنّ كونه في السماء على سبيل الإلهية والربوبية ، لا على معنى الاستقرار. وفيه نفى الآلهة التي كانت تعبد في الأرض (تُرْجَعُونَ) قرئ بضم التاء وفتحها. ويرجعون ، بياء مضمومة. وقرئ : تحشرون ، بالتاء.
(وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ إِلاَّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (٨٦) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ)(٨٧)
__________________
(١) قال محمود : «ضمن اسمه عز وجل معنى وصف ، فعلق به الظرف ، وهو قوله (فِي السَّماءِ) ... الخ» قال أحمد : ومما سهل حذف الراجع مضافا إلى الطول الذي ذكره : وقوع الموصول خبرا عن مضمر لو ظهر الراجع لكان كالتكرار المستكره ، إذ كان أصل الكلام : وهو الذي هو في السماء إله. ولا ينكر أن الكلام مع المحذوف الراجع أخف وأسهل ، وأن الراجع إنما حذف على فلة حذف مثله لأمر متأكد ، فانه لم يرد في الكتاب العزيز إلا في قوله (تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ) ومع أى في موضعين على رأى.