أصبحت لا أحمل السلاح ولا |
|
أملك رأس البعير إن نفرا (١) |
أى لا أضبطه ، وهو من جملة النعم الظاهرة ، وإلا فمن كان يقدر عليها لو لا تذليله وتسخيره لها ، كما قال القائل :
يصرفه الصّبى بكل وجه |
|
ويحبسه على الخسف الجرير |
وتضربه الوليدة بالهراوى |
|
فلا غير لديه ولا نكير (٢) |
ولهذا ألزم الله سبحانه الراكب أن يشكر هذه النعمة ويسبح بقوله : سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين. وقرئ : ركوبهم. وركوبتهم. وهما ما يركب ، كالحلوب والحلوبة. وقيل : الركوبة جمع. وقرئ : ركوبهم ، أى ذو ركوبهم. أو فمن منافعها ركوبهم (مَنافِعُ) من الجلود والأوبار والأصواف وغير ذلك (وَمَشارِبُ) من اللبن ، ذكرها مجملة ، وقد فصلها في قوله تعالى (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً ...) الآية والمشارب : جمع مشرب وهو موضع الشرب ، أو الشرب
(وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ (٧٤) لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ
__________________
(١) أصبح متى الشباب مبتكرا |
|
إن ينأ عنى فقد ثوى عصرا |
فارقنا قبل أن نفارقه |
|
لما قضى من جماعنا وطرا |
أصبحت لا أملك السلاح ولا |
|
أملك رأس البعير إن نفرا |
والذئب أخشاه إن مررت به |
|
وحدي وأخشى الرياح والمطرا |
للربيع بن منيع ، قاله حين بلغ مائة وأربعين عاما ، عاش بعده مائة وستين. والمبتكر : المسافر أول النهار ، فهو تشبيه بليغ ، ثم تسلى بقوله : إن ينأ ، أى بعد عنى فقد أقام عندي أزمنة طويلة فارقنا ، أى : ذهب عنا قبل أن نموت ، فقوله «نفارقه» مجاز عن ذلك ، أو كناية عنه ، أو مجاز عن البغض ، والجماع : معناه الاجتماع والمصاحبة ، والوطر : الحاجة ، وهذا كله ترشيح للتشبيه أول الكلام ، ولا يخفى ما في البيت من إبهام ما كان ينبغي الاحتراس منه ، فان قضاء الوطر من الجماع اشتهر استعماله في مقام الوطء ، ثم قال : صرت لا أضبط السلاح بيدي ولا رأس البعير إن ندمنى ولا أقدر عليهما. ويروى : لا أحمل السلاح ، أى : لا أقدر على حمله ، وأخشاه : أى أخافه ، إن مررت به وحدي وأخاف الرياح والمطر ولو مع غيرى ، وكل هذا كناية عن بلوغه غاية الضعف والهرم.
(٢) لقد عظم البعير بغير لب |
|
فلم يستغن بالعظم البعير |
يصرفه الصبى بكل وجه |
|
ويحبسه على الخسف الجرير |
وتضربه الوليدة بالهراوى |
|
فلا غير لديه ولا نكير |
لكثير عزة حين رآه عبد الملك بن مروان قصيرا حقيرا ، فقال : تسمع بالمعيدي خير من أن تراه. وقيل : للعباس ابن مرداس. وقيل : لمعاوية بن مالك الكلابي ، وعظم : ضخم وطال. واللب : العقل ، وأتى بالظاهر موضع المضمر للتهويل في الطول والجسامة ، بكل وجه : في كل جهة. والخسف : الذل. والجرير : حبل غير الزمام يربط به. والهراوى : جمع هراوة وهي العصا ، وجمعها دلالة على كثرة الضرب. والغير ـ بالتحريك ـ الغيرة. والنكير : الإنكار ، يعنى أن العبرة بالألباب والعقول ، لا بالغلظ والطول.