والإنس والأوثان ، فغلب غير الأوثان عليها. وقرئ : ما لا يستجيب. وقرئ : يدعو غير الله من لا يستجيب ، ووصفهم بترك الاستجابة والغفلة طريقه طريق التهكم بها وبعبدتها. ونحوه قوله تعالى (إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ).
(وَإِذا حُشِرَ النَّاسُ كانُوا لَهُمْ أَعْداءً وَكانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ (٦) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ هذا سِحْرٌ مُبِينٌ)(٧)
(بَيِّناتٍ) جمع بينة : وهي الحجة والشاهد. أو واضحات مبينات. واللام في (لِلْحَقِ) مثلها في قوله (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْراً) أى لأجل الحق ولأجل الذين آمنوا (١). والمراد بالحق : الآيات ، وبالذين كفروا : المتلو عليهم ، فوضع الظاهران موضع الضميرين ، للتسجيل عليهم بالكفر ، وللمتلوّ بالحق (لَمَّا جاءَهُمْ) أى : بادوه بالجحود ساعة أتاهم ، وأوّل ما سمعوه من غير إجالة فكر ولا إعادة نظر. ومن عنادهم وظلمهم : أنهم سموه سحرا مبينا ظاهرا أمره في البطلان لا شبهة فيه.
(أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللهِ شَيْئاً هُوَ أَعْلَمُ بِما تُفِيضُونَ فِيهِ كَفى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)(٨)
(أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ) إضراب عن ذكر تسميتهم الآيات سحرا إلى ذكر قولهم : إن محمدا افتراه. ومعنى الهمزة في أم : الإنكار والتعجيب ، كأنه قيل : دع هذا واسمع قولهم المستنكر المقضى منه العجب ، وذلك أن محمدا كان لا يقدر عليه حتى يقوله ويفتريه على الله ، ولو قدر عليه دون أمّة العرب لكانت قدرته عليه معجزة لخرقها العادة ، وإذا كانت معجزة كانت تصديقا من الله له ، والحكيم لا يصدّق الكاذب فلا يكون مفتريا. والضمير للحق ، والمراد به الآيات (قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ) على سبيل الفرض عاجلني الله تعالى لا محالة بعقوبة الافتراء عليه. فلا تقدرون
__________________
(١) قال محمود : «اللام في قوله تعالى للحق نحو اللام في قوله (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ) أى لأجل الحق ولأجل الذين آمنوا ... الخ» قال أحمد : هذا الاضراب في بابه مثل الغاية التي قدمتها آنفا في بابها فانه انتقال إلى موافق ، لكنه أزيد من الأول ، فنزل بزيادته عليه مع ما تقدمه مما ينقص عنه منزلة المتنافيين ، كالنفى والإثبات اللذين يضرب عن أحدهما للآخر ، وذلك أن نسبتهم للآيات إلى أنها مفتريات أشد وأبعد من نسبتها إلى أنها سحر ، فأضرب عن ذلك الأول إلى ذكر ما هو أغرب منه.